عرف عن الجزائري حبه لاقتحام العوالم الجديدة لما يتميز به من جرأة وفضول، ولا يختلف ذلك في عالم الفن الذي يصبو فيه أيضا إلى وضع لمساته والتعبير عن خوالجه ليحقق بذلك بصمة فريدة. والشريط المرسوم لا يخرج عن العادة، فقد تفنن فيه الكثير من الجزائريين رغم الصعاب التي قد تثبط عزيمتهم أحيانا ولكنهم سرعان ما يعودون إلى الميدان متسلحين بإرادة فولاذية. "المساء" التقت على هامش المهرجان الثاني للشريط المرسوم الذي اختتمت فعالياته مؤخرا، بفناني الشريط المرسوم هواة ومحترفين، وأخذت شهاداتهم حول ظروف عملهم الفني وكذا طموحاتهم وآمالهم في هذا المجال. أمير شريتي، دحمان برغيرود، خير الدين خردوش، دراوي مختار(من الهواة) ويوسف بشكيط وياسين ساحل (محترفين) هم فنانو الشريط المرسوم من الجزائر، تحدثوا ل"المساء"عن مسيرتهم الفنية المليئة بالعراقيل والصعوبات، فتحدث الهواة عن حبهم الشديد لفن الشريط المرسوم وكذا عن تمسكهم بهذا الفن رغم عدم وجود سوق خاصة به ولا حتى دار نشر مختصة ما عدا دار واحدة فتحت أبوابها مؤخرا، أما عن المحترفين فقد وجدوا ضالتهم في مجال الرسوم المتحركة وإلا لكانوا هم أيضا في عداد المفقودين في عالم الفن التاسع. أمير شيريتي من جيجل: الجمهور الجزائري متذوق للشريط المرسوم نحن الهواة في فن الشريط المرسوم نجد صعوبات كبيرة في انجاز أعمالنا أمام انعدام الفضاءات المحتضنة لأشرطتنا، إلا انه ومع ذلك هناك مجلة "لاب ستور" لسليم إبراهيمي والمختصة في الشريط المرسوم والتي تعد الفضاء الوحيد الذي نعبر فيه عن حبنا للشريط المرسوم عن طريق نشر أعمالنا ولكن هذا لا يكفي ومع ذلك فنحن مستمرون في هذا الدرب بوسائل بسيطة وبحبنا لهذا الفن وكذا باعتمادنا على الانترنت التي تقدم لنا الكثير من المعلومات من خلال عناوين الكترونية وكتب قابلة للتحميل حول كيفية انجاز شريط مرسوم. وفي هذا السياق، شاركت في مسابقة الطبعة الثانية لمهرجان الشريط المرسوم وتحصلت على جائزة "أفضل سيناريو" واستعملت أسلوب المانغا الذي هو مشهور جدا وسط الشباب، والشريط بعنوان "وقائع سنين الضيق" استلهمته من عنوان فيلم "وقائع سنين الجمر"، الذي يتناول فترة معينة مثل شريطي الذي هو بدوره يحكي فن حقبة محددة تبدأ منذ ولادة شخصية عملي أي منذ سنوات الثمانينات إلى غاية وفاتها في سنة 2016. وقمت في أربعة ورقات بتلخيص ما عاشه جيلي وبالأخص في مرحلة الإرهاب، وأصبو إن شاء الله في عمل شريط مرسوم من 90 إلى 100صفحة دائما في أسلوب المانغا، وهذا بمناسبة فوزي بجائزة السيناريو في الطبعة الثانية للمهرجان. صحيح أنني غير مستعد للتخلي عن مهنتي "الانفوغراف" والتخصص تماما في الشريط المرسوم نظرا لكل العراقيل والمشاكل التي تواجهنا في هذا المجال، ومع ذلك أرى أن هناك مستقبلا لهذا الفن في الجزائر وهذا نظرا لتنظيم مهرجان الشريط المرسوم بالجزائر وكذا إقبال الجمهور الجزائري على هذه التظاهرة، فالشريط المرسوم لم يمت في الجزائر رغم أن هناك من يؤكد عكس ذلك معتمدا على نسب بيع هذا النوع من الكتب في المكتبات، وهنا أتوقف وأقول الجمهور الجزائري يعرف الشريط المرسوم ويتذوقه وساعده في ذلك انتشار الكاريكاتور، خصوصا الجيل الجديد الذي يدرك أهمية ومميزات هذا الفن. دحمان برغيرود من المنيعة: أسعى إلى انجاز شريط مرسوم بنكهة جزائرية سألت نفسي عندما كنت صغيرا وأنا أقرأ الأشرطة المرسومة أمثال لوكي لوك والمانجا: "لماذا لا يكون لدينا أسلوبنا وبصمتنا الخاصة في الشريط المرسوم؟ فقمت باختلاق شخصية جزائرية أسميتها احمد ولكنني وجدت صعوبات كبيرة في مواصلة العمل في هذا المجال فلا توجد ثقافة الشريط المرسوم في الجزائر بحيث يمكننا النهل منها والاعتماد على أسسها، بالإضافة إلى الفترة الصعبة التي مرت بها الجزائر في التسعينات والتي أثرت كثيرا في الثقافة جمعاء فما بالكم في تأثيرها على فن غير منتشر في البلاد؟. بالمقابل أحمد الله على تنظيم الجزائر مهرجان الشريط المرسوم والذي وفر لنا فرصة المشاركة بأعمالنا إذ أنني شاركت العام الماضي في الطبعة الأولى للمهرجان بشريط مرسوم حول شخصيتي"أحمد"، أما هذه السنة فشارك العديد من فناني الشريط المرسوم من أوروبا في الدورة الثانية للمهرجان وهي فرصة اكتسبنا منها الخبرات من خلال احتكاكنا بهم وتلقي نصائحهم رغم أن الفنان الأوروبي يقدم لك النصائح في المجال التقني بيد أنه لا يفهم موضوع عملك الذي هو جزء من ثقافتك. وقد اتصلت بي دار نشر جزائرية مختصة في الشريط المرسوم وهي دار جديدة للعمل معا وهذا ما جعلني أرجو، أن يستمر التواصل، فأنا أحب كثيرا فن الشريط المرسوم الذي بواسطته استطيع أن اعبر بالرسم والأفكار عن العديد من المواضيع الهامة مثل "الحرقة". خير الدين خردوش من قالمة: الشريط المرسوم أداة تحسيس وتوعية أرى أن الشريط المرسوم هو وسيلة للتوعية والتحسيس، بل هو أحسن وسيلة لترسيخ المعلومة في ذهن الطفل عن طريق ثلاث مجالات وهي: المقروء والبصري والسيكولوجي، أي أن المعلومة تدخل في ذهن الطفل من ثلاثة أبواب عندما يطالع شريطا مرسوما. وبحكم أن نسبة المطالعة ضعيفة في الجزائر فإن الشريط المرسوم يعتبر أهم وسيلة إغراء تحبيب القراءة للطفل، أيضا الشريط المرسوم ليس مخصصا فقط للأطفال بل هو أيضا محبوب من الكبار إلا أن ثقافة هذا الفن غير منتشرة في بلادنا مع كل الأسف. وفي هذا السياق، عندما تريد أن تنشر عملك وتتصل بدار نشر، يطلب منك الناشر أن تتحمل تكاليف النشر وحتى لو فعلت ذلك فماذا عن تكاليف التوزيع؟ إذ أن الموزع يأخذ منك نسبة عالية من المداخيل وهذا يضعك أمام مشكلة كبيرة فإما أن تبيع منتوجك بسعر مرتفع وتفقد المشتري، وإما أن تبيع بثمن هزيل وتفقد دراهمك، فأين الحل؟ ومع ذلك فأنا على أمل في مستقبل لهذا الفن، فنحن هنا نقاوم ونتمسك بفن الشريط المرسوم رغم أننا لا نصبو إلى جعله مصدر رزق أوانه يكون مجرد هواية، هو جزء من حياتنا ولن نتخلى عنه. حبي للرسم يعود إلى طفولتي واستمر إلى درجة جعلتني أتوجه إلى مدرسة الفنون الجميلة بمستغانم فور حصولي على شهادة البكالوريا، وتحصلت على ليسانس في الفنون التشكيلية وقد كانت هذه المدرسة بالنسبة لي فضاء مناسبا لممارسة فن الشريط المرسوم وتعلم بعض أبجدياته، واليوم أنا أمارس هذا الفن الذي اعشقه كثيرا ويمثل لي هدفا من الأهداف في حياتي، علاوة على تدريسي للرسم في ثانوية. وفي هذا السياق قمت بانجاز شريط مرسوم بعنوان "رفاق السوء" شاركت به في المهرجان ويقدم عبرة تتمثل في أهمية الدراسة في حياة الطفل، بالإضافة إلى عمل آخر تحت عنوان "الأشرطة المرسومة، لمحة تاريخية ودروس تطبيقية" وهي عبارة عن دراسة خاصة بهذا الفن قد تجد لها طريقا للنشر في دار النشر لزهري لبتر. مختار دراوي من سيدي بلعباس: لا وجود لسوق الشريط المرسوم عندنا مغامرتي مع الشريط المرسوم بدأت منذ الصغر وبالضبط مع الرسم إذ كنت ومازلت مولعا بهذا الفن، كما أنني كنت أقرأ كثيرا الأشرطة المرسومة مثل بيف ومارفيل، ثم انتقلت إلى العمل مع دور النشر من خلال رسومات للأطفال. اليوم أشارك للمرة الثانية في المهرجان الدولي للشريط المرسوم بالجزائر وهذه المرة بشريط مرسوم تحت عنوان"راهيس، واد الأسود" أنجزته خصيصا لهذه المناسبة بما انه لا يوجد سوق لهذا الفن بالجزائر، ولكن حبذا لو تكون هناك دور النشر تنشر أعمالنا إلا انه مع كل الأسف نصنع أشرطة مرسومة فقط بالمناسبات بفعل كل الصعوبات الجمة التي تواجهننا في تحقيق ذلك. صحيح أن هناك دار نشر اتصلت بي بغية انجاز مشروع لكن لا أدري أن كان سيتحقق أم لا. يوسف بشكيط من العاصمة: الشريط المرسوم يجب أن يتحلى بضوابط فن الشريط المرسوم يعاني الكثير والكثير في بلادنا، فنحن هواة أومحترفون نتعرض لعراقيل جمة لمواصلة الدرب فنخضع لظروف وأمور عصيبة وفي أيدينا القليل من الإمكانيات ومع ذلك استطعنا أن نفعل أشياء عظيمة. لا أفهم لم لا تساعد السلطات المختصة فناني الشريط المرسوم الذين يكابدون الأمرّين لوضع شريط مرسوم يشاركون به في هذا المهرجان، أما أن ينشروه فهذا حلم لا أدري متى يتحول إلى حقيقة؟. أنا أحببت الأشرطة المرسومة منذ أن كان أبي يشتريها لي في صغري، أذكر أنني كنت ومازلت مولعا بها، ولكن أذكر أيضا أن أبي كان قبل أن يهدي لي هذه الأشرطة يفحصها أولا، ليتأكد من عدم احتوائها على مشاهد لا تليق بالأطفال الصغار، وهو ما اعتبره في غاية الحكمة، بيد أنني شاهدت بأم عيني كيف أن أطفالا تحصلوا في المهرجان على أشرطة مرسومة بصور خليعة، وهنا أتساءل أين هو دور الأولياء في مراقبة أطفالهم خاصة انه ليس لدينا ثقافة الشريط المرسوم في البلد؟ أيضا أين هي مراقبة المنظمين الجزائريين للمهرجان في ما تقدمه دور النشر الغربية مجانا وغير مجان للأطفال؟ أنا مثلا توقفت عن العمل في المجلات النسائية لأنه كان يطلب مني أن ارسم أشياء لا أقول أنها جريئة ولكنها تخرج عن التقاليد التي تربيت عليها فأنا أعلم الوقع الذي يكون على المراهق عندما يشاهد صورا بعيدة عن تقاليدنا وأعرافنا، لأنني وبكل بساطة كنت مراهقا أيضا، لهذا أنا آخذ بعين الاعتبار ما أرسمه وما أقدمه للقارئ خاصة المراهق منه. بالمقابل، كان المهرجان فرصة للاحتكاك بفناني الشريط المرسوم الغربيين ولكن لا يمكن لنا نحن الجزائريين أن نفرض ثقافتنا على الغرب فلا استطيع أنا مثلا أن أرسم الحايك وسروال لوبيا في ألمانيا؟ ففي هذا المهرجان مثلا طلب منا المنتجون الألمان أن نرسم أشياء فقط على ثقافتهم، هذا هو الثمن الذي ندفعه إذا أردنا أن تنشر أعمالنا في الخارج. أما إذا أردنا أن نعمل في بلدنا فحدث ولا حرج، فأنا عملت بعض الأشرطة المرسومة تتكون فقط من بضعة صفحات لأنني وبحكم الظروف التي نتخبط فيها لا أقدر على عمل شريط مرسوم متكامل، وحينما نحاول أن ننشر أعمالنا البسيطة يطالبنا الناشر بتقديم عمل متكامل ولا يعدك بشيء أويعدك بالشيء القليل، وأنا أرفض ذلك، نعم أرفض أن أجازف أمام شبه وعود أوعدم وجود وعود بالمرة، بالمقابل يمكن لهذا الناشر أن يكسب من وراء الشريط المرسوم إذا تعلم أن يضحي في بداية مساره فمثلا يمكنه أن يقدم أشرطة مرسومة مجانية ومن ثم سيتعود القارئ على هذا النوع من الكتب وسيشتريها لاحقا. أما عن مشاريعي فأرجو أن أتمكن من المشاركة بشريط مرسوم كامل في الطبعة القادمة للمهرجان، في حين أقوم بوضع رسومات في كتب الأطفال وكذا أشارك في وضع الرسومات المتحركة لشركة نوميديا وأتمنى أن أواصل في هذا المجال لأنني أحب كثيرا مجال الرسوم المتحركة. ياسين ساحل من بجاية :الشريط المرسوم وسيلة مثلى للتعريف بتاريخ الأمم حكايتي مع الشريط المرسوم تعود إلى زمن بعيد، هي حكاية فيها الكثير من الإرادة والعزيمة والدليل الأشرطة المرسومة التي أنجزتها والبداية بشريط "فتاة من الفضاء" نشرته عن دار الأمل للنشر والتوزيع ومن ثم اشتغلت في نفس السياق في جريدة "إيزورال"، بعدها أصدرت "تاريخ الأبطال" بأموالي الخاصة فصنعت عشرة آلاف نسخة من هذا الكتاب وقمت بتوزيعها وكلفني هذا الشريط 25 مليون سنتيم بيعت معظم نسخه في بجاية مسقط رأسي، وان شاء الله سيصدر لي عن دار هومة، شريط تحت عنوان "قناديل التاريخ" بجزئين وهو يحكي في خمسين لوحة في كل جزء عن تاريخ الجزائر العظيم. التاريخ هي محطة مهمة جدا في حياة الفرد ولهذا اهتم به بصفة كبيرة، خاصة إذا كان الشريط المرسوم موجها للأطفال، فأنا فضلت باب التاريخ لأدخل منه إلى الطفل والشاب الجزائري، وأنا متأكد أن المواطن الجزائري عندما يدرك أن تاريخ بلده في غاية العراقة وانه حافل بشخصيات فذة واجهت أعداء وصعوبات جمة فإنه سيقاوم بنفسه وفي هذا الزمن كل المشاكل والعراقيل التي يواجهها يوميا. كيف يمكن لطفل لا يعرف من هو والده ومن هي والدته أن يكون إنسانا سويا ؟ وكيف يمكن لطفل لا يعرف تاريخه أن يشعر بالفخر وأن يتحلى بالقوة؟ لهذا أركز في أعمالي كثيرا على التاريخ حتى في عملي في شركة نوميديا للرسوم المتحركة نركز كثيرا على التاريخ، نعم قوة الدولة تتمثل في شخصيتها الثقافية. اعتبر أن الرسم هو أحسن وسيلة لإيصال الأفكار إلى الطفل، ذخيرة المجتمع ومستقبل الأمة، وإذا كان هذا الرسم حول المواضيع التاريخية سيكون ذلك أفضل، فلا يمكن أن تعرف أين تذهب إذا كنت لا تعرف من أين أتيت، لهذا اعتقد أن الكثير من المشاكل التي يعاني منها المواطن الجزائري تعود إلى جهله لتاريخ بلده. وفي هذا الصدد، أسعى من خلال أعمالي إلى ترسيخ هذه الأفكار في أذهان الأطفال والشباب وحتى الكبار، مؤكدا في السياق ذاته أن دوام الحال من المحال وان هذا البلد وبالضبط مدينة بجاية درس على أرضها الفنان التشكيلي ليوناردو دي فينشي،أي كانت أرض علم والتاريخ يعيد نفسه لا محالة. رغم الصعوبات الكبيرة التي يواجهها فنانو الشريط المرسوم في الجزائر، أرى أن هناك مستقبلا لهذا الفن، فقط لأن هناك موهوبين هواة يصرون على العمل، وهنا أطلب من وسائل الإعلام تسليط الضوء أكثر على هؤلاء الذين يكافحون كفاحا مريرا لأجل مواصلة دربهم.