ما تزال إشكالية عزوف المواطنين عن التبرع بدمهم تطرح العديد من التساؤلات، بمناسبة اليوم الوطني للتبرع والمتبرعين بالدم المصادف ل25 أكتوبر من كل سنة، في ظل مقاطعة المواطن لمراكز حقن الدم، إلا في مناسبات معينة كرمضان أو حدوث كارثة ما لا قدر الله.. هذا العزوف يوعزه الملاحظون الى جملة من الأسباب، أهمها ظروف استقبال المتبرعين في تلك المراكز وتردي الخدمات بصفة عامة. في ظل سوء ظروف الاستقبال ورداءة الوجبة المقدمة للمتبرع بالدم، والتي لا ترقى حسب الملاحظين الى مقام المتبرع وشكره، خاصة أمام الإمكانيات المتوفرة، فإن المواطن يقاطع مراكز حقن الدم الا في بعض المناسبات مثل رمضان، حيث تشحذ الهمم للتصدق بالدم، خاصة وان الشهر مسابقة زمنية لكسب الحسنات! من جهة أخرى، فإن رداءة الوجبة المقدمة للمتبرع والمتمثلة أساسا في شكولاطة وبسكويت من النوع الرديء عامل آخر غير محفز، علما أن غالبية المتبرعين يحسبون على الطبقة محدودة الدخل، لذلك يتساءل غربي قدور رئيس الفدرالية الجزائرية للمتبرعين بالدم: "ألا يمكن تخصيص شريحة لحم وعلبة عصير طبيعي للمتبرع بدمه؟". وأجاب بأن هذا اقل ما يمكن مكافأته به على معروفه. كما ان مشكل التبرع بالدم، يواصل المتحدث، يحتاج إلى دفع حقيقي من خلال قرار سياسي يؤخذ على أعلى المستويات يعيد للمتبرع بالدم مكانته وحقوقه المترتبة عن هذا العمل الخيري... وعزوف المواطنين عن التبرع بدمهم خارج دائرة الكوارث الطبيعية وغيرها، أرجعه محدثنا إلى تردي ظروف الاستقبال بمراكز حقن الدم المتواجدة بالمستشفيات، إذ يعامل المتبرع بالدم بطريقة غير لائقة تماما تجعله يعتقد انه جاء لتوسل خدمة ما، رغم انه جاء للتبرع بدمه، الشيء الذي لا يمكن لأية آلة أن تصنعه، ولكن نقص تكوين أعوان شبه الطبي، خاصة فيما يخص كيفية استقبال وتوجيه المتبرع بالدم يؤثر بصفة سلبية على هذه العملية، ويجعل الكثيرين ممن يتبرعون لأول مرة يعزفون عن تكرار المحاولة. في هذا السياق، يحدثنا عبد القادر (34 سنة)، والذي قام بحوالي 20 تبرعا، حيث قال انه يملك بطاقة المتبرع منذ أن كان طالبا جامعيا وانه يتبرع مرتين الى أربع مرات سنويا. لما سألناه عن ظروف الاستقبال، قال أنها سيئة للغاية، فقد لاحظ مرارا غياب الطبيب والممرضين عن مركز حقن الدم ما يجعله يبحث عنهم شخصيا، وعند إيجادهم يتعاملون معه بفوقية وكأنه بالمركز لتسول خدمة او علاج.. هذه الوضعية المتكررة جعلت المتبرع يعزف عن قصد المستشفيات للتبرع ويفضل شاحنات نقل الدم التي يتم نصبها موسميا بالقرب من بعض الجامعات او المساجد. وأضاف يقول ان الوجبة المقدمة بعد التبرع "تصلح غذاء للفئران! بسكويت فايح وشكولاطة يابسة" على حد تعبيره، بل أكد المتحدث انه كثيرا ما كان يخرج فارغ اليدين بعد التبرع دون حتى كلمة شكر! وبالمثل يؤكد جمعون رئيس جمعية المتبرعين بالأعضاء والدم لولاية بومرداس بقوله، انه يضطر لأخذ بعض قطع الحلويات او حتى علبة عصير ليتناولها بعد تبرعه بمركز حقن الدم لمستشفى الثنية والذي يقصده بوسائله. وهذه نقطة أخرى تقلل من عدد المتبرعين بحيث ان تواجد مراكز حقن الدم في المستشفيات يجعل الكثيرين يتقاعسون عن قصدها لبعد مسافتها، لذلك فإن الجمعية ما تزال تطالب بالإسراع في انجاز مركز حقن الدم المقرر بمدينة قورصو. جدير بالإشارة، ان اغلب الجزائريين ينتمون إلى الفئة الإيجابية لزمرة الدم بنسبة 70 بالمائة وبالضبط لفئتي "a" و"o"، ونسبة 9.5 بالمئة للزمرة السلبية بمعدل 2 بالمائة من كل 100 ساكن بالجزائر، منها نسبة 1.5 لفئة AB- الأكثر ندرة بمجتمعنا، و55 ألف جزائري يتعذر عليهم التبرع بدمهم بسبب إصابتهم بأمراض مزمنة.