شهدت الجزائر طوال عام 2007 دينامية ثقافية وفنية لم تعرفها منذ استقلالها عام 1962 في شتى روافد الفكر والثقافة"، وكان هذا العام عام رفع تحديات كبرى والتأكيد على استمرارية العملية الإبداعية إلى ما بعد هذا الحدث الثقافي خاصة فيما يتعلّق بإنجاز فضاءات ثقافية جديدة وإعادة تأهيل المرافق الموجودة، لتبقى الجزائر إحدى أهم العواصم الثقافية العربية والمتوسطية، إضافة إلى ضرورة تغيير الصورة السلبية التي رسمت للجزائر إبان عشرية المأساة من خلال تعبئة إعلامية تحمل الصورة الحقيقية للجزائر عربيا وعالميا· "الجزائر عاصمة الثقافية العربية " لعام 2007، حاولت إبراز معالم انتماء الجزائر الثقافي للعالم العربي وتأكيد دورها الحيوي عبر العصور والأزمنة في الحضارة العربية، كما شكّلت فرصة جميلة لتظهر الجزائر للعالم أجمع أنّها عادت وبقوّة لتسترجع مكانها الريادي الطبيعي، وكان من بين أهمّ الأهداف المسطرة لهذا الموعد إبراز تنوّع وثراء التراث الثقافي المادي وغير المادي الجزائري ونقاط التقائه مع الامتداد الثقافي والحضاري العربي، إضافة إلى إبراز الديناميكية الإبداعية في الجزائر في جميع الحقول والميادين الثقافية مع التأكيد على الانتعاش الثقافي الكبير للجزائر في مختلف المجالات والأشكال التعبيرية، إبراز الأسماء الثقافية والفنية الجزائرية وتسويقها في العالم العربي· ولعبت تظاهرة "الجزائر عاصمة الثقافة العربية" على إظهار أهمية المرافق الثقافية الحالية والتعريف بالفضاءات الثقافية التي ستنجز أو التي سينطلق في إنجازها خلال عام 2007، حيث يعرض بقصر الثقافة "مفدي زكريا" إلى غاية الواحد والثلاثين من يناير مجسّمات تبرز المشاريع الثقافية الكبرى لفخامة رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، والتي من شأنها أن تعزّز المشهد الثقافي والفني الجزائري وتمتّن مكانة الجزائر على الصعيدين العربي والعالمي· ويبرز هذا المعرض المشاريع الثقافية التي تعمل الجزائر على إنجازها لخلق ديناميكية من نوع خاص عمادها الإرتقاء بمختلف الفنون وفتح أفق جديدة للتواصل العربي والغربي، حيث تتغذّى هذه المشاريع الانتقائية من القديم والجديد اللّذين صقلا وجه مدينة عمرها قرنان ما فتئت تتحوّل باستمرار· المشاريع الثقافية الكبرى لرئيس الجمهورية، عددها تسعة مشاريع تتوزّع على مجالات الآثار، الفن السابع، فن المنمنمات والزخرفة، الفنون الحديثة، الكتاب والموسيقى، إذ من بين الإنجازات التي ترنو الجزائر لتحقيقها نذكر "إقامة الفنانين" بدار "عبد اللطيف"، المكتبة العربية - جنوب أمريكية، المتحف الوطني للفن الحديث والمعاصر، المركز الوطني لترميم الممتلكات الثقافية "دار الصوف، إضافة إلى المركز الوطني للبحث في علم الآثار بدار الحمراء، متحف المنمنمات، الزخرفة وفن الخط، مدرّج "فضيلة الدزيرية" والمعهد الوطني العالي للموسيقى وكذا المعهد العربي للآثار ومشروع الفيلم الضخم "الأمير عبد القادر" وجلّ هذه المشاريع سيتمّ تدشينها شهر فبراير من هذا العام· رئيس الجمهورية وهو يمنح رعايته السامية لهذه التظاهرة الكبرى أكّد أكثر من مرّة على دور الثقافة كمحرّك للتنمية، فلا ازدهار من دونها لأنّها "توطين للمعرفة واحتضان للمواهب"، علاوة على دعوته المثقّفين، من مفكّرين وأدباء وفنانين وحفظة التراث المادي والمعنوي، على امتداد الوطن العربي، حيث خاطبهم قائلا عند الافتتاح الرسمي للتظاهرة : "إنّكم بحق ثروة الأمّة الباقية والمتجدّدة وعينها البصيرة بواقع حال مجتمعاتنا وما وراء الواقع من نذر وبشائر قد لا يراها الإنسان العادي"، وأضاف "إنّ النخبة لا تستحقّ هذا الإسم، إلاّ إذا فهمت عصرها وتصدّرت الصّفوف الأماميّة التي تصنع المستقبل، وتمهد الطريق للتحولات الكبرى التي تنتظرها شعوبنا، للخلاص من أغلال التخلّف وترسيخ ثقافة الديمقراطية التي تقوم على حقوق وواجبات المواطنة وحريّة الفرد في التعبير والتفكير والإبداع، بلا حدود ولا قيود"· ومن باب المعرفة الجيّدة بدور ومكانة أهل الفكر والإبداع اللّذين لا يقتصران على مناسبة أو مهرجان، والقناعة الصادقة بأنّ عاصمة الجزائر الوفية لذاكرتها التاريخية ستبقى على الدوام مدينة لأولئك المفكرين والأدباء والفنانين الأحرار الذين وقفوا إلى جانب كفاح شعبنا العادل، وسخّروا فنون الأدب والفكر الصادق، من روائع الشعر والقصة والرواية والمقالة والمسرحية إلى الصورة الفوتوغرافية والأفلام السينمائية وغيرها من أشكال الفن، أخذ رئيس الجمهورية على عاتقه إعادة بعث الحراك في النسيج الثقافي، الفكري والفني الجزائري بتخصيصه ميزانية ضخمة لتظاهرة "الجزائر عاصمة الثقافة العربية" وتسخيره كلّ الإمكانات المادية والبشرية لتحقيق الأهداف المرجوة منها· ومن بين المشاريع التي حظيت بدعم ورعاية من الرئيس بوتفليقة، مشروع "ألف عنوان وعنوان" الذي يعكس الأولوية المولاة لخير جليس في الأنام، إذ قرّر رئيس الجمهورية، خلال جلسة الاستماع التي خصّصها لقطاع الثقافة شهر رمضان المنصرم مواصلة نشر نفس العدد من العناوين لتتدعّم بذلك المكتبة الجزائرية ويجد المبدع السبيل لتجسيد ملكاته على أرض الواقع، فبعد رعاية احتضان الجزائر للمعهد العالي العربي للترجمة، عملت الدولة على تخصيص ميزانية كبيرة للكتاب مع العمل على تحقيق مشروع "مكتبة في كلّ بلدية"، وكذا العمل على إنشاء "المركز الوطني للكتاب" الذي يعدّ مشروعا واعدا، كلّ ذلك بهدف "ترقية ثقافة الكتاب، بل الشغف بالكتاب، في الجزائر وتكثيف إشعاع العالم العربي"، كما أشرف الرئيس بوتفليقة، شخصيا شهر نوفمبر المنصرم على افتتاح الصالون الدولي الثاني عشر للكتاب·