هم شباب تتراوح أعمارهم بين السابعة عشر والرابعة والعشرين، يعيشون بين رتابة البطالة والتسكع والحلم بالمال السهل، مولعون بتدخين مختلف السجائر، تسربوا من المدارس الابتدائية في سن مبكرة، إذ لا يزيد المستوى الدراسي لبعض الذين تحدثنا إليهم مستوى السنة الأولى متوسط، يقضون أيامهم متسكعين في الشوارع، إلى هنا يبدو الأمر شبه عاد، غير أن غير العادي أو الملفت للانتباه، هو قيامهم بتقليد ما يشاهدونه على شاشات الفضائيات من حصص الفكاهة والضحك والمبني على المزاح، إذ يطبقونه على فتياتنا وشاباتنا في مختلف شوارع العاصمة، ضاربين بذلك بأعرافنا وتقاليدنا عرض الحائط. كان بعض هؤلاء في شارع العربي بن مهيدي حين تقربنا منهم، وهم يمارسون طقوس ما شاهدوه على الفضائيات على فتيات وشابات كن يسرن إما باتجاه مؤسسات التعليم أو التكوين أو البيوت حاملات محافظهن، بل أن بعضهن يرتدين المآزر، ما يؤكد وجهتهن بالأساس. ويلجأ هؤلاء إلى سلوكات دخيلة وغريبة، لا لشيء سوى لتمضية الوقت ومحاولة لفت الانتباه من خلال الثرثرة والضحك، ويتعدى بهم الأمر إلى إطلاق زفرة سجائر في وجه فتاة تتصف بالحسن والخجل، أو الرمي بفنجان قهوة على الرصيف خلف فتاة تمر بمحاذاتهم، ثم يوهمونها بأنها هي التي تسببت في سقوط الفنجان وأنهم مستاؤون من لا مبالاتها، فتبدأ في الاعتذار على طريقتها، فيتظاهرون برفض الاعتذار فتبدي لهم توسلها، وهنا بيت القصيد يضحك فيهم من يضحك ويحاول آخر الإيقاع بالفتاة في فخ الانجذاب، والمؤسف أن صاحبة المحفظة لا تعرف شيئا عن هذا المغزى، ويستغلون الموقف بمحادثتها ومغازلتها وكأنهم ربطوا صلة بها لمجرد مزحة كاذبة لا تضحك سوى صانعها. وقد تقربنا من بعض الشباب ونحن نرتدي قناع المزاح والضحك أيضا، فتبين لنا أن هؤلاء لا يفكرون في تعلم مهنة تؤمن مستقبلهم، على الرغم من أنهم في بدايات شبابهم، فهم يجهلون إمكانية ولوجهم مراكز التكوين المهني وإيجاد تربص يتطابق مع ميولاتهم ويؤمن لهم مهنة المستقبل، بل أنهم يرون في التربص معادلة صعبة الحل، وفي العمل وهم بعيد المنال، ومن هؤلاء الشاب سفيان (22 سنة)، مستوى الثانية متوسط، قال لنا: »أقضي وقتي متسكعا في الشوارع، لا أتصور نفسي أحمل قلما.. القراية بكري، نحلم باش نترفه«. أما زبير (17 سنة) فرد علينا »أحلم بمال سهل المنال والعيش في الغربة لأنها السبيل المريح«. فيما قال الشاب لطفي »لم يسبق لي أن امتهنت عملا، ولا أتصور نفسي نادلا في مقهى أو مطعم«، يضحك ويواصل، »ستكون البداية بالبحث عن عمل لكنني أجهل نوعه«.