غياب التنسيق يغيّب مجهودات الدولة الكبيرة في العناية بالطفولة كشف رئيس الهيئة الوطنية لتطوير البحث وترقية الصحةّ "الفوريم" مصطفى خياطي في هذا الحوار مع "المساء" أهم نقاط الخلل التي يراها سببا في تعثر تقدم المجهودات في تحسين وضعية الطفل الجزائري رغم تحقيق الجزائر مكاسب كثيرة في السياق.ومن جملة الأسباب هناك غياب التنسيق بين القطاعات الوزارية والمجتمع المدني، في حين قدم البروفيسور أرقاما مرعبة عن واقع الطفل الجزائري. تشير أرقام هيئة "الفوريم" إلى وجود 20 ألف طفل يعيشون في الشوارع، وأن طفلا واحد ا من أصل أربعة استهلك المخدرات، وأن 300 ألف طفل يشتغلون في عدة ميادين، و500 ألف طفل تسربوا من المدارس معظمهم يحترفون الإجرام. بالمقابل فإن 150 ألف طفل لا يلتحقون بالمدارس، ما يشكل نسبة 6 بالمائة من الأطفال، وأنه تم تسجيل 10 آلاف حالة عنف ضد الطفل والمرأة، وأن حوالي 20 ألف طفل تقل أعمارهم عن السنة يموتون سنويا بسبب الأمراض. كل هذه الأرقام المرعبة تقابلها جهود حثيثة للدولة لتكفل جدي بهذه الشريحة خاصة وأن إمكانيات الجزائر الحالية تسمح بما يمكنه إنقاذها من وضعيتها الراهنة. - الأرقام المقدمة من طرف الفوريم في عدة مناسبات مرعبة وتنذر بالخطر حول وضعية الطفولة بالجزائر، على أي أساس اعتمدت الهيئة في عملية الإحصاء، وما هي قراءتهم لوضع الطفل الجزائري حاليا؟ بالفعل إذا استندنا إلى الأرقام فالوضعية تبدو مرعبة حقيقة، إلا أن ذات الأرقام على حقيقتها لا بد من إظهارها، كما نؤكد أنه حقيقة هناك مجهودات كبيرة تقوم بها الدولة، ولكن لا يوجد تنسيق سواء بين الوزارات التي تعنى بملف الطفولة أو حتى بينها وبين المجتمع المدني الذي لا يمكن إغفال مجهوداته في الإطار، ولذلك فإن الوضعية الراهنة والتباين الكبير في الأرقام واعتراف جهات بمشكل الطفولة ونفي أخرى تماما، يجعلنا نؤكد من جهتنا بأن أطفال الجزائر وبالنظر للإمكانيات والقدرات الموجودة يستحقون وضعا أحسن بكثير مما هم فيه حاليا. أما المجتمع المدني من هيئات ومنظمات وجمعيات فإن دورها تكميلي، إلا أنه يمكنها إن أوتيت الإمكانيات التكفل بهذه الفئة الهشة من خلال برامج فعالة ومقترحات بناءة من شأنها تحسين وضعية الطفولة في الجزائر، أما عن الأرقام والإحصائيات فإن الفوريم أجرت على سبيل المثال تحقيقا ميدانيا في 2006 في 12 ولاية أظهر أن 300 ألف طفل يشتغلون في عدة ميادين، وفي نفس السنة أجرت وزارة الصحة والسكان تحقيقا مع اليونيسيف أطلق عليه MCIS وأعطى رقم 345 ألف طفل عامل، ما يعني أن الفوريم بإمكانياتها المحدودة توصلت إلى نفس النتائج الرسمية لهيئة وزارية بإمكانياتها الكبيرة ما يجعلنا نثق في تحقيقاتنا وفي أرقامنا المقدمة. - بالحديث عن عمالة الأطفال هناك تناقض كبير في التصريحات الرسمية حول هذا الملف بالذات، فوزارة الأسرة وقضايا المرأة نفت تفشي الظاهرة وأعطت نسبة لا تتعدى 1 ? لأطفال يشتغلون في مهن بسيطة بينما أعطت الفوريم عدد مليون طفل عامل في الجزائر ويزيد هذا العدد ب300 ألف طفل خلال العطل فما تعليقكم؟ سبق وأن أشرت إلى عامل انعدام التنسيق بين القطاعات الوزارية التي تعنى بملف الطفولة وعددها 17 وزارة من جهة، وبين ذات الوزارات والمجتمع المدني، لذلك يظهر التناقض في الدراسات ونتائجها، غير أني أؤكد أن عمالة الأطفال كظاهرة اجتماعية موجودة حقيقة في الجزائر ولا يمكن نفيها، ويمكن القول إن المؤسسات لا تشغل الأطفال مثلما أكدته تحقيقات الفوريم، بل إن استغلال هذه الشريحة دون السن القانوني للعمل يتم بطريقة غير قانونية أو ما يعرف بالعمل غير المصرح به بدون رقابة أو حماية. وهنا تقع المسؤولية بالدرجة الأولى على عاتق الأولياء الذين يقحمون أطفالهم في عالم الشغل لمساعدتهم على زيادة دخل الأسرة طبعا بعد إبعادهم عن مقاعد الدراسة، لكن مسؤولية الدولة ليست أقل شأنا من الأسرة ذاتها، لأنه من واجبها وضع آليات للمراقبة والتفتيش من جهة، ومعاقبة الأولياء الذين لا يحترمون ولا يلتزمون بحق الطفل في التعليم حتى سن ال16، كما أنه من الضروري انتشال الأطفال من الشارع والسهر على إدماجهم في مراكز للتكوين. وأعتقد أن الوضعية المالية للجزائر تسمح ببعث مشاريع طموحة في هذا المجال حتى لا نرى أطفالا في الرابعة من العمر يبيعون الخبز على حواف الطرق السريعة أو حتى أطفال دون سن 16 يبيعون السجائر أمام مداخل المدارس. - بالحديث عن ملف التكوين، ألا ترون أن طفلا دون 16 أو 18 سنة لا يمكنه الالتحاق بمراكز للتكوين تبعا للقوانين التنظيمية لهذه المراكز؟ المشكل أولا في تحديد السن القانوني للطفل، إذ ما تزال هذه الإشكالية تطرح من طرف الفوريم في عدة مناسبات، فلا ندري أية جهة نتبع، هناك تعريف للطفل يحدد سنه من 0 إلى 10 سنوات وهناك من يحدده من 0 إلى 16 سنة وآخر يحدده من 0 إلى 18 سنة، وإذا استندنا إلى قطاع العدالة فإنه قام مؤخرا بإصدار قانون يجرم الطفل الذي يفوق سنه بيوم واحد عن 10 سنوات ويضعه أمام كامل مسؤولياته وهذا غير مقبول، وهذا الخلل يعكس انعدام وجود رزنامة قانونية متماسكة وكاملة لحقوق الطفل الجزائري حتى تبقى مرجعية بالنسبة للاتفاقية العالمية لحقوق الطفل، نحن هنا لا نغيب القوانين الموجودة ولكننا نشير إلى تبعثرها بين عديد الوزارات وبالتالي يصعب على غير أهل الاختصاص فهمها أو متابعتها، ولبلورة الفكرة أكثر طالبنا بقانون كامل للطفل وبمنسق وزاري يضمن التنسيق بين كل الوزارات المعنية بملف الطفولة. أما عن موضوع التكوين فإنه ملف كبير يحتاج دراسات معمقة لأنه قطاع حساس جدا، وإذا تم تبني فكرة الوسيط الإعلامي بين الوزارات والمجتمع المدني بمعنى إعلام موجه للجمعيات لتلعب دورها كوسيط يمكنها من توصيل المفاهيم للناس.أعطيكم مثال، القروض المصغرة مبادرة جيدة ولكن الإعلام عنه وسط الشباب غائب، لذلك يظهر دور الوسطاء الاجتماعيين في إيصال أفكار الدولة لمواطنيها وخاصة الشباب منهم، ولا أبالغ حين أقول إن الدولة الجزائرية سخرت إمكانيات ضخمة لامتصاص عدة نقائص، ومنها البطالة، ولكن استغلال الفرص قليل جدا لذلك تظهر مبادرات دول الجوار على قلتها أكثر نجاعة من مبادرات الجزائر. - هناك أرقام تؤكد أن 13 ? من تلاميذ مدارس وثانويات العاصمة يدخنون وهناك نسب غير معروفة عن استهلاك الأطفال للمخدرات، ماهو تعليقكم؟ أرقام الفوريم تشير إلى أن طفلا واحدا من بين أربعة أطفال استهلكوا المخدرات وهذا يعكس إغفال سياسة مكافحة الإدمان على المخدرات لعدة جوانب ومنها محاربة الظاهرة أمام المدارس وداخلها، فالمحجوزات التي قامت بها مختلف مصالح الأمن تظهر أنه تم حجز خلال 2009 ما كميته 70 طنا من المخدرات، وتم خلال 2008 حجز 38 طنا في وقت سجلت 2007 ما كميته 20 طنا، والأرقام غنية عن كل تعليق. - تحدثتم مؤخرا عن ظاهرة هاجس اختطاف الأطفال المصحوب بطلب فدية والتي تكون في الغالب مرتبطة باعتداءات جنسية على الأطفال، هل يمكن الحديث عن هذه الظاهرة التي ما تزال تثير الرعب لدى الأسر؟ نسجل اليوم نوعين من الأسباب الرئيسية وراء وقوع حالات اختطاف الأطفال، وتكمن في الاختطاف بهدف ابتزاز العائلة ومطالبتها بدفع فدية، والاختطاف من أجل الاعتداء الجنسي، وغالبا ما تنتهي هذه الأخيرة بمأساة، وهنا المسؤولية كاملة تلقى على الأولياء بسبب تهاونهم في مراقبة أولادهم و تركهم في الشارع دون رقابة، والأرقام تشير إلى أن 830 طفل تم اختطافهم بين 2001 - 2009 (بمعدل 100 طفل سنويا) تتراوح أعمارهم ما بين 4 و16 سنة، وأن نسبة كبيرة من بين هؤلاء تم اختطافهم من أجل طلب فدية من أهاليهم، وهناك حالات خطف من اجل تصفية الحسابات أو حتى للاعتداء جنسيا، وقد سجلنا 805 حالات اعتداء جنسي على الأطفال الأقل من 16 سنة ما بين جانفي الى سبتمبر 2009 . وهي الأفعال التي يجرمها القانون الجزائري وتصل عقوبتها حد الإعدام أو المؤبد ولكن يبقى على الآباء المحافظة على حذرهم وعلى وسائل الإعلام والمجتمع المدني الاستمرار في العمل التحسيسي.وأكرر أن الدولة بمختلف أجهزتها لا يمكن لها حماية الطفل بمعزل عن إشراك المجتمع المدني وحتى أفراد المجتمع ككل.