من قلب المعاناة تولد الهمة ومع الإرادة لا شيء مستحيل... انطلاقا من هذا قرر كل من محمد عمور وزوجته عزيزة الاعتماد على نفسيهما، من أجل إنقاذ ابنتهما المتخلفة ذهنيا من معاناتها، فكان مشوارهما طويلا ولكنه أثمر في آخر المطاف، تمكين كهينة من الاندماج في المجتمع والنطق عن طريق التمدرس، كما كانت إحدى أهم نتائج هذا المشوار المعقد، ميلاد جمعية "أمل الأطفال " التي كان هدفها الأول والأخير، التكفل بفئة المتخلفين ذهنيا التي تعد من أكثر شرائح المجتمع تهميشا. وحول الجمعية، أهدافها ونشاطاتها، أجرت لكم "المساء" هذا الحوار مع السيد محمد عمور صاحب المشروع... بداية حدثنا عن ميلاد جمعية أمل الأطفال؟ جاءت فكرة الجمعية كنتيجة حتمية لما عشته أنا وزوجتي من صعوبات، بسبب عدم وجود جهة تتكفل بالأطفال المعوقين ذهنيا، فقد رزقني الله بطفلين معوقين، الأول إعاقة ذهنية وحركية والثانية إعاقة ذهنية وعدم القدرة على النطق، طرقنا كل الأبواب بحثا عن من يمد لنا يد المساعدة لضمان الحد الأدنى من حقوق هؤلاء الأطفال، لكن من دون جدوى، وقتها أدركنا أن فئة المتخلفين ذهنيا تعد من أكثر فئات المجتمع تهميشا واقتنعنا أيضا بأنه لا بد من الاعتماد على النفس من أجل تمكين الأطفال المتخلفين ذهنيا من التمتع بكافة حقوقهم وتغيير نظرة المجتمع المشفقة عليهم والتي دفعت ببعض الأولياء إلى إخفاء أبنائهم المتخلفين ذهنيا حتى لا يخجلوا بهم. تكلمت عن الحقوق، في رأيك ما هو أهم حق وجدت صعوبة في الوصول إليه؟ ً بالرجوع إلى القانون المتعلق بالدفاع عن حقوق المعوقين، نجد أنه ينص صراحة على تمتع كل المعوقين بكل الحقوق دون تمييز بينهم، بما في ذلك التعليم، ولكن على أرض الواقع نجد غير ذلك، إذ يعد التعليم العقبة الكبيرة التي واجهناها، خاصة وأن ابنتي التي أتحدث عنها كنموذج، إلى جانب التخلف الذهني، كانت لا تملك لغة وكنت أسمع في كل مرة من بعض المراكز وبعض المختصين أنه لا أمل في نطق ابنتي كمبرر لرفض التكفل بها، بل وكانت بعض المراكز ترفض استقبالها من باب أنها سوف تؤثر سلبا على باقي المعوقين الذين يواجهون مشكل التخلف المدرسي، ناهيك عن رفض المدرسين التعامل مع هذه الفئة بالذات، كونها تتطلب متابعة خاصة في ظل غياب برنامج معد خصيصا لهذه الشريحة، ولأن إيماني كان كبيرا تحديت الواقع وجاهدت رفقة زوجتي، إلى أن وجدنا مركزا قبل التكفل بكهينة التي تمكنت في سن التسع سنوات من النطق بعد الجهد الكبير الذي بذله مدرس الأرطوفونيا الذي أشركها مع باقي الأطفال المتخلفين ذهنيا ومتابعتنا الدقيقة لها وبالتالي لا يوجد شيء مستحيل. ما الذي فعلته جمعيتكم لتدارك مشكل التعليم؟ نحن كجمعية نعرف جيدا ما الذي يحتاجه المتخلف ذهنيا، إذ لدينا خبرة 23 سنة في التعامل مع هذا النوع من الإعاقة قبل إنشاء الجمعية، لذا فإن أول شيء عزمنا على تجسيده بعد إنشاء الجمعية سنة 2006، هو تبليغ المجتمع رسالة، مفادها أن لكل المتخلفين ذهنيا الحق في العيش والتمتع بكافة الحقوق كغيرهم من الأطفال الأصحاء، حيث سعينا بإمكانياتنا البسيطة إلى العمل على وضع برنامج دراسي بمواصفات عالمية، يتكيف مع درجات التخلف الذهني لكل طفل مهما كانت درجة تخلفه، يشرف عليه أخصائيون نفسانيون وأرطفونيون، من ناحية أخرى قررنا أن لا يتجاوز عدد الأطفال بالقسم الواحد ستة أطفال، لأننا نركز على النوعية وليس الكم حتى نحقق نتائج إيجابية ويستفيد كل الأطفال، كما أولينا أهمية كبيرة لحصة الأشغال اليدوية التي يحبها الأطفال كثيرا والتي تساعدهم على تعزيز ثقتهم بأنفسهم. ومن جهة أخرى، فكرنا أيضا في الأطفال المعوقين مائة بالمائة الذين لا يتمكنون من التنقل إلى الجمعية، حيث خصصنا لهم بعض الأطباء المختصين في إعادة التأهيل الذين يتنقلون إلى منازلهم من أجل تقويم أ جسامهم. ماهي أهم المشاكل التي تعاني منها جمعيتكم؟ في الحقيقة، الجمعيات التي تتكفل بالأطفال المتخلفين ذهنيا قليلة في مجتمعنا، لأن الجميع يرفضون التكفل بهذه الفئة نظرا للصعوبة التي يواجهونها لأنها حقيقة شريحة صعبة، والدليل على ذلك أن جمعيتنا يقصدها الكثير من الأولياء الذين يتوسلون إلينا من أجل أن نمد لهم يد المساعدة ونتكفل بأطفالهم، غير أن ضيق المقر وقلة الإمكانيات تحول دون تلبية كل الطلبات، لذا نوجه نداء إلى السلطات المعنية من أجل أن يقدموا لنا مقرا واسعا حتى نتمكن من استقبال أكبر عدد من هؤلاء الأطفال وحتى نمحو لمحة الحزن من عيون الأولياء الذين يعانون معاناة مضاعفة. وهناك مشكل آخر هو عدم وجود مختصين مكونين تكوينا جيدا ليحسنوا التعامل مع هذه الفئة، التي تتطلب صبرا ورغبة وحبا كبيرا للمهنة من أجل النجاح فيها، فلا يخفى عليكم أن المتخلفين ذهنيا يمتصون طاقة المدرس كلها، وهذا ما لا يصبر عليه أغلب المختصين. في الأخير، ما الذي يتمناه محمد عمور صاحب مشروع جمعية أمل الأطفال؟ أتمنى فقط أن تتحقق أمنيتنا في الظفر بمقر جديد يكون كبيرا، حتى نتمكن من التكفل بعدد كبير من الأطفال وحتى نساعد هذه الشريحة لإثبات وجودها في المجتمع، من خلال الوصول إلى التمتع بكافة حقوقها دون معاناة، كيف لا ولكل طفل الحق في أن يعيش سعيدا؟!