نعيش حاليا في عالم افتراضي كبير، من أهم مظاهره البريد الإلكتروني الذي أصبح وسيلة عالمية لتبادل الرسائل بكل أنواعها، مما حقق اختصار الوقت والجهد، إضافة إلى إمكانية التواصل المباشر، عبر الكتابة أو إرسال صور للأصدقاء أو غيرهم من المعارف في أي مكان من العالم، حيث لا يتيح البريد الإلكتروني فرص تبادل الأخبار والآراء فقط، إنما يسمح كذلك بقضاء بعض الحوائج العامة في حياتنا اليومية وحتى بعض الالتزامات المهنية.. لكن هل نملك نحن في مجتمعنا ثقافة استخدام البريد الإلكتروني؟ يتيح البريد الإلكتروني تبادل الرسائل والوثائق باستعمال الحاسوب، ويذهب العديد إلى القول إنه من أسباب اشتراك العديد من الناس في الأنترنت، ما يجعله استثمارا حقيقيا للوقت والجهد والمال. ولا شك في أن إرسال البريد الالكتروني إلى الأصدقاء والأقارب أسلوب رائع للتواصل، من ميزاته أنه غير مكلف مثل الاتصالات الهاتفية، ولا ضرورة لتواجد الشخص في نفس اللحظة لاستلام الرسالة، وإنما قد يستلمها في أي وقت يفتح فيه بريده الإلكتروني، ومن مزايا البريد الإلكتروني أيضا أنه يوفر إمكانية إرسال ملفات مرفقة مثل الصور وملفات الفيديو، فضلا عن تسهيل تحقيق بعض متطلبات الحياة اليومية. وفي المجتمع الجزائري وصلت خدمة الأنترنت إلى بعض المؤسسات والبيوت منذ عشرية من الزمن، متيحة بذلك فرصة التواصل عن طريق البريد الإلكتروني ليكون بمثابة بديل عصري للبريد العادي وأجهزة الفاكس.. ولمعرفة مدى توغل ثقافة استخدام البريد الإلكتروني اقتربت "المساء" من بعض الشرائح فكانت هذه الإجابات. تجيب السيدة حميدة.ل (موظفة) "أتواصل يوميا مع الأشخاص الذين تربطني بهم علاقات عمل أو صداقة، وأجد بالمقابل تجاوبا من طرفهم مما يسهل علي الكثير من الأمور.. وفي اعتقادي ان ثقافة استخدام البريد الإلكتروني بدأت تشق طريقها لتصبح بديلا ضروريا لبعض وسائل الاتصال التي كانت سائدة فيما مضى، لكن يبقى المشكل الذي يعيقني كما يعيق الكثيرين هو عدم التمكن من امتلاك الحاسوب والاستفادة من خدمة الأنترنت في البيت، الأمر الذي يتسبب في فقدان الكثير من الاتصالات". المشاريع وعلاقات العمل أصبحت بحسب السيدة خديجة.ب (مقاولة) لا تستغني عن البريد الإلكتروني الذي يختزل العديد من التنقلات التي تفرضها الإلتزامات المهنية .تقول "أنا شخصيا أنشأت مؤسسة في الجزائر بالشراكة مع مجموعة من الصديقات، لقد تعرفت عليهن عن طريق الأنترنت، ومن خلال التواصل معهن تبين لي أننا نصبو إلى نفس الهدف، وبموجب ذلك أصبح يجمعنا عمل مشترك في مجال المقاولة نسيره بالتواصل عن طريق البريد الإلكتروني، وللعلم لم نلتق إلا مرة واحدة لإمضاء الاتفاقية.. ولقد أسسنا الآن شركة في الصين أمورها تسير أيضا عن طريق البريد الإلكتروني". لكن برأي الآنسة "لامياء.س" فإن ثقافة التواصل عن طريق البريد الإلكتروني لم تتوغل بعد في المجتمع الجزائري.. وتوضح "أجد في الغالب تجاوبا مع الجزائريين المغتربين، أما الأشخاص الذين أتعامل معهم هنا فلا يتواصلون معي عن طريق هذه الوسيلة كثيرا، فحسب ملاحظاتي معظمهم يفضلون التواصل عن طريق الهاتف النقال لكونه أسرع في توصيل الرسالة وقضاء حوائج الحياة اليومية، إلا أن هذه المسألة في نظري ترتبط بالإمكانيات التي تحول دون التمكن من الاشتراك في الأنترنت، وبالتالي الاستفادة من خدماته على مدار اليوم في المنزل دون اللجوء إلى مقاهي الانترنت". السيد موسى.ل (مهندس في الإعلام الآلي) يعتنق نفس الفكرة تقريبا، حيث أشار إلى أن التعاملات المهنية وأمور البيع والشراء عن طريق هذه الوسيلة الاتصالية لم ترق بعد إلى المستوى المطلوب في مجتمعنا، حيث تتم بنسبة محتشمة، لأن عامة الناس لم تتعود على هذه الطريقة التكنولوجية بعد، والتي ما زالت مجالات استخدامها منحصرة في إطار الدردشة التي يعتمدها كثيرون كطريقة لملء الفراغ". وتشارك في الموضوع الصحفية سامية.ك (تعمل في يومية إخبارية) "رغم أن العديد من مصادر الخبر يطلبون من الصحفيين عناوين بريدهم الإلكتروني لتزويدهم بالأخبار والوثائق، إلا أنهم لا يلتزمون بذلك، وبالمقابل لا يردون على الرسائل التي يرسلها الصحفي لهم بغرض الحصول على المعلومات.. فأنا شخصيا حاولت إجراء حوارات مع بعض المختصين عن طريق هذه الوسيلة، لكن لم أجد استجابة من طرفهم، رغم أنهم من المشتركين في الأنترنت، مما يفرض علي التنقل للبحث عن كافة الأطراف التي لها صلة بالموضوع المراد طرحه للنقاش" وتتابع "أظن أن الجزائريين لم يكتسبوا بعد ثقافة التواصل عن طريق البريد الإلكتروني، والتي قد لا تترسخ إلا على المدى البعيد". ويصرح السيد جمال.ن (صحفي) "لا أجد تجاوبا كبيرا مع الآخرين على الصعيد المهني، فالعديد من الجهات التي أتعامل معها تتصل بي هاتفيا عندما تحتاجني لتغطية نشاطاتها، أما القلة الذين يتواصلون معي باستمرار عن طريق البريد الإلكتروني فهم في معظمهم من معارفي الذين يقطنون في بلدان أجنبية". ويروي "يبدو لي أن الجزائريين بطبعهم لا يميلون إلى عادة الكتابة، مما يشكل عائقا في وجه التواصل بهذه الطريقة، فصديقي على سبيل المثال والذي صار يدير شركة خاصة بعد أن درس بالخارج، أطلعني ذات مرة أنه تلقى 500 رسالة عن طريق البريد الإلكتروني، إلا أنه لم يطلع ولم يرد على أية واحدة منها!" ويضيف المتحدث "استخدام البريد الإلكتروني في البلدان الغربية بصفة خاصة أصبح ضرورة حياتية لا غنى عنها، ففي ظل ضيق الوقت يقضي الأفراد هناك عدة حوائج من خلالها، أقلها الاطلاع على الرصيد البنكي، البحث عن وظيفة ودفع فواتير الكراء والهاتف، فضلا عن التسوق عن طريق الأنترنت، ذلك لأن التسهيلات تتيح استعمالها في كافة الميادين في المجتمعات المتطورة، في حين تعتبر بالنسبة لنا ثقافة جديدة قد تتطلب عدة سنوات لتنتشر، خاصة وأن الاشتراك في الأنترنت ليس في متناول الجميع حاليا، كما أن خدمة الربط بشبكة الأنترنت سيئ وغير معمم على كافة الميادين".