كشف وزير الموارد المائية السيد عبد المالك سلال ل"المساء" أنه لا يمكن الجزم أن الصناعيين الجزائريين ينتجون مياها معدنية موجهة للعلاج بل هي مياه عذبة صالحة للاستهلاك بشكل عام، كما لايمكن تأكيد إنتاج مياه مغشوشة بالنظر إلى الصرامة التي تعتمدها الوزارة في تسليم التراخيص للمنتجين والتي يجب أن تكون قد مرت على مخابر معتمدة مثل "باستور" لتحديد مواصفات الأملاح المعدنية التي تتكون منها، وهو ما جعل الوزارة تؤخر عملية إعادة النظر في الأسعار المطبقة على إنتاج المياه المعدنية إلى حين تنظيم السوق وإعداد مجموعة من التحاليل الإضافية على عدة مصادر للمياه يستغلها الصناعيون اليوم، من جهته يجد المستهلك نفسه أمام عدة علامات تجارية تدعي كل واحدة منها أنها تنتج مياها معدنية صافية وتقوم بوصف العلاجات التي توفرها هذه المياه. وهو ما يتنافى مع قانون الإشهار ويتطلب تدخلا عاجلا من مصالح التجارة والصحة، خاصة بعد التنبيه الأخير الذي تحصلت عليه وزارة التجارة من طرف المنظمة العالمية للتجارة التي طالبتها بإعادة النظر وتنظيم سوق المياه المعدنية. انطلقت وزارة الموارد المائية في تنظيم سوق المياه المعدنية بالجزائر منذ 07 سبتمبر2004 بعد الفوضى التي كانت تميز الإنتاج بسبب غياب الرقابة، حيث شرع في تطبيق المرسوم الوزاري 04 / 196 الذي صدر لتنظيم عملية إنتاج المياه المعدنية والفصل بينها وبين باقي أنواع المياه التي يتم تعليبها وبيعها للمستهلك، لكن مع نهاية السنة الفارطة دعت المنظمة العالمية للتجارة السلطات الجزائرية لإعادة النظر في نوعية المياه المسوقة، مع تحديد مواصفات خاصة للحصول على رخص إنتاج مياه معدنية بعد أن ارتفعت رخص الاستغلال إلى 21 من أصل 50 رخصة شرعت الوزارة في تسليمها مع نهاية 2004 إلى المستثمرين الخواص والعموميين، وحسب تصريح السيد فاضلي هجرس مدير فرعي للاستغلال والمراقبة على مستوى وزارة الموارد المائية ل"المساء"، فإن عملية مراقبة الإنتاج ليست من اختصاص الوزارة لأن مهمتها تنتهي مع مطابقة تحاليل العينات التي يجلبها المستثمر والمقاييس المضبوطة من طرف المخابر لتحديد نوعية المياه، وبعد كل هذه السنوات من الإنتاج فإن المراقبة تقع على عاتق المصالح التجارية لقمع الغش والمستثمر نفسه المطالب بإعداد تحاليل دورية على نوعية المياه المنتجة، وإلى غاية اللحظة يقول السيد فاضلي لم يتم تقديم شكوى على مستوى مصلحته حول الغش في عمليات الإنتاج. وبالنسبة للوزارة يقول مصدرنا أن رخص إنتاج مياه المنبع ال29 هي عبارة عن مشاريع جديدة تنتظر الوزارة انتهاء التحاليل على مستواها والتأكد من مصادرها لتحديد نوعيتها ومن المحتمل تحرير رخص جديدة لإنتاج مياه معدنية مستقبلا، في حين هناك مرسوم آخر رقم 05 / 12 لسنة 2005 خاص بإنتاج نوع جديد من المياه وهي "مياه المائدة". فهناك نص جديد يتم تحضيره على مستوى الأمانة العامة لحكومة لتحديد مواصفات خاصة لصالح الصناعيين لإنتاج مثل هذه المياه، وتجري هذه الأيام محادثات بين كل الشركاء من عدة وزارات وقطاعات لمناقشة وإثراء المرسوم، وهو ما سيأخذ وقتا أطول حسب السيد فاضلي للفصل بين المياه المعدنية ومياه المائدة وباقي أنواع المياه. وفي سؤال ل"المساء" عن مسألة توفر منابع للمياه المعدنية بالجزائر أشار إلى أن إنتاج المياه المعدنية يرتكز على مجموعة من الشروط وليس الاكتفاء باكتشاف منبع مائي فقط، منها طريقة الإنتاج، حماية مصدر المياه من التلوث والتعامل مع مخابر تتوفر على تجهيزات وتتحكم في أحدث التكنولوجيات لتحديد المواصفات وكميات الأملاح المعدنية في عينات المياه، كما يجب تشديد المراقبة والتأكد من المسار الذي تمر منه المياه المستغلة في الإنتاج والتي يجب أن تكون طبيعية وصافية. وعن الضرائب التي تفرض على الصناعيين في هذا المجال أكد السيد فاضلي أنه وإلى غاية اللحظة لم يتم الاتفاق مع وزارة المالية عن نسبة الإتاوات التي ستفرض على المنتجين وذلك رغم صدور القرار في قانون المالية لسنة 2007 يقضي بدفع ضريبة بقيمة 2 دج للتر الواحد، مرجعا السبب إلى ارتباك مصالح وزارة المالية في طريقة تطبيق الضريبة في الوقت الذي يقوم فيه المنتجون بدفع إتاوات لمصالح الري لنفس الغرض وهو استغلال المياه الجوفية، وتجرى حاليا لقاءات بين وزارة الموارد المائية ومصالح التجارة والمالية لإعادة النظر في الإشكال. من جهتها أكدت العديد من العلامات التجارية الناشطة في السوق أنها تحصلت على الاعتماد وهي تسوق مياها معدنية خالصة، ويرى مسؤولوها أنهم الوحيدون الذين يملكون هذه التراخيص مثلما ما جاء على لسان المكلف بالعلاقات العامة على مستوى مؤسسة "مسرغين" الذي أكد أن مؤسسته هي العلامة الوحيدة التي تضع فوق الغلاف "الاعتماد" مرفقا بالختم، وذلك بعدما أثبتت نتائج التحاليل تطابق المواصفات بالمقاييس التي أعدتها وزارة الموارد المائية، وعليه فإن مياه "مسرغين " حسبه معدنية وهي الوحيدة على مستوى السوق خلافا لباقي العلامات التي تسوق على أساس أنها معدنية لكنها مياه منبع غير خاضعة للتحاليل. كما دعا مسؤولو شركة "ال?ولية" للمياه المعدنية التي تنشط بمنطقة حاسي مسعود، السلطات الوصية إلى ضرورة اعتماد الصرامة في إجراء "تحاليل دورية" على مصادر التزود بالمياه بالنسبة للمستثمرين في هذا المجال مع تكثيف لجان المراقبة، خاصة في ظل الانتشار الواسع للمياه المعدنية المغشوشة، ويشير المسؤول التجاري للشركة أن "ال?ولية" هي العلامة التي تجري يوميا تحاليل على مياهها المعدنية، فكل قارورة تسوق إلا وتكون قد مرت على مخبر الشركة ويتم حفظ الإنتاج لأكثر من 48 ساعة حتى تظهر النتائج قبل توجيهه للسوق، أما شركة "إفري" التي تعد من أقدم العلامات التجارية للمياه المعبأة بالسوق الجزائرية فقد أكدت المصلحة التجارية أنها هي الأخرى تنتج مياها معدنية طبيعية بنسبة مائة بالمائة، وأنها مراقبة على مستوى مخابر علمية متخصصة. وأوضحت شركة "?ديلة" لإنتاج المياه المعدنية، أنها حصلت على الاعتماد من قبل الوزارة الوصية في 5 جويلية 2006 وأن التحاليل المخبرية أثبتت أن مياه "?ديلة" مياه معدنية طبيعية، مضيفة أنها لم تلتق لحد الساعة بشركات تنتج مياها معدنية مغشوشة. الجزائر تملك منابع معدنية غير مكتشفة كشف خبير في التغذية الزراعية السيد حاج عبد النور ل"المساء" أن الثروات الباطنية بالجزائر غنية بمختلف المنتجات الطبيعية ومنها منابع للمياه المعدنية الصافية، إلا أنها غير مكتشفة حيث لغاية الآن لم يتم التنقيب عن مصادر جديدة لهذه المياه التي تصب حاليا عبر منابع تحت الأرض في الأودية دون استغلال، ويؤكد الخبير ما صرحه وزير الموارد المائية أن سوق المياه المعدنية بالجزائر عبارة عن تحايل صارخ للعديد من المستثمرين الخواص الذين يقومون بتعبئة مياه المنبع بقارورات وتباع على أساس أنها مياه معدنية. وعن المنابع الرسمية للمياه المعدنية يقول الخبير أنها حاليا في تعداد ثلاثة وهي متواجدة بكل من مناطق بني هارون، موزاية ومنبع لالا خديجة الذي يتم به استغلال مياه الجبال التي تبقي الأكثر عذوبة وبعيدة عن مصادر التلوث الطبيعي الذي يتسبب فيه الإنسان بالدرجة الأولى، ويضيف الخبير أن هذه المنابع تعود لسنة 1847 حيث تم اكتشافها من طرف خبراء فرنسيين واستغلوها بعد أن أعدوا خريطة طبوغرافية عن الجزائر مع تحديد أهم مصادر مختلف أنواع المياه المعدنية منها والعذبة ومياه المنابع وهي الخريطة التي يجب أن تبحث عنها السلطات الجزائرية في الأرشيف الفرنسي لتحيينها، أو استغلال التكنولوجيات الحديثة لتحديد منابع المياه التي تشير آخر التقارير أنها منتشرة كثيرا في الجهة الشرقية للوطن انطلاقا من العاصمة وإلى غاية الحدود مع تونس. وعن اختلاف المياه المعدنية عن مياه المنبع أشار المختص أنها تختلف من ناحية المواصفات الطبيعية التي تحملها والتي تكون مخصصة لعلاج أنواع معينة من الأمراض، فلا يخفى على أحد أن المياه المعدنية موزعة على ثلاثة أنواع هي الأخرى، هناك المياه المعدنية الخفيفة، المياه المعدنية الغنية بكربونات الكالسيوم وأخرى غنية بالحديد، فلا يمكن استهلاك المياه المعدنية من طرف كل المرضى أو كل فئات المجتمع دون الرجوع إلى مواصفاتها المعدنية، فتلك الغنية بالحديد أو الكالسيوم يتم وصفها لفئات محددة من المرضي، كما يتم وصف المياه المعدنية الخفيفة للرضع والنساء الحوامل والعجزة نظرا لنوعية الأملاح المعدنية التي تتوفر عليها والتي تكون بنسب خفيفة. كما أرجع الخبير سبب استغلال رخص المياه المعدنية لتسويق مياه منبع إلى غياب مخابر تحليل متطورة، حيث يضطر المستثمرون الخواص إلى إرسال عينات من المياه نحو مخابر أجنبية متخصصة في كل من ألمانيا وفرنسا التي تملك تجهيزات حديثة تحدد بالتدقيق كميات الأملاح المعدنية المختلفة التي تتوفر في عينات المياه بالتفاصيل وهي العملية التي تكلف كثيرا المستثمر، وعليه يتم حاليا استغلال كل مياه المنابع العذبة بالجزائر على أساس أنها مياه معدنية، والحظ بالنسبة لنا هنا أن مياه المنبع عذبة وجيدة للاستهلاك أحسن من مياه الحنفية، غير أن الأسعار المطبقة حاليا بين منتجات المياه المعدنية والعذبة لا تساعد في توازن السوق، وهنا يجب الرجوع إلى مصالح التجارة التي يجب أن تفرض رقابتها على السوق بالطريقة التي تحمي مصالح كل من المستثمرين والمستهلك على حد سواء خاصة وأنه وقع ضحية تحايل العديد من العلامات التجارية التي تسوق مياه المنبع على أساس أنها معدنية رغم أنها تنشط في هذا المجال منذ مدة طويلة.. وللمستهلك الجزائري ما يقوله في هذا المجال حيث يقول السيد عبد السلام إنه غالبا ما يغير اقتناء علامات المياه المعبأة في القارورات التي يستهلكها وذلك بالنظر إلى المنتجات المعروضة عند المحلات، ففي كل مرة يستهلك نوعا معينا، حتى عندما يرسل ابنه للتبضع يحاول صاحب المحل توجيه نظره نحو علامات لم نرها أو نستهلكها من قبل، ونظرا لبراءة الطفل فهو يجلب المنتوج إلى المنزل ويستهلك دون أن نعرف إن كانت مياه معدنية أو منبع أو حتى مياه الحنفيات، المهم بالنسبة لنا أنها معبأة بقارورات، في حين أكدت مواطنة أخرى أنها خلال شراء المياه المعبأة تهمها الصورة الخارجية للقارورة التي تشد أنظار المستهلك وليس ما تحمله من نوعية للمياه، وهو ما يعود بالدرجة الأولى إلى الثقافة المحدودة للمستهلك الجزائري، الذي لا يبحث دوما عن المكونات الأساسية للمنتجات التي يستهلكها يوميا. الأطباء يؤكدون عدم وجود مياه معدنية علاجية يجد الأطباء في مختلف التخصصات أنفسهم في حيرة من أمرهم عندما يطلب منهم المريض نوعية المياه المعدنية التي يجب أن يستهلكها لمعالجة مرضه، خاصة أن السوق الوطنية تضم العديد من العلامات، وهنا يقول "أمين" طبيب بمصلحة التوليد بمستشفى عين طاية أن الملصقات التي توضع على قارورات المياه لا يمكن أن نثق فيها نحن "كأطباء" رغم المعلومات التي تحملها حول نسبة الأملاح المعدنية التي تحتويها، كما أنه لم يتم إعلامنا إلى غاية اليوم من طرف الجهات المختصة بنوعية المياه إن كانت معدنية أو مياه منبع، وعليه فنجد دوما صعوبة كبيرة في وصف علامة المياه المعبأة التي يجب على المريض استهلاكها، وهنا غالبا ما يعود الطبيب إلى توجيه المريض إلى العلامة التي يحب استهلاكها انطلاقا من الذوق وليس من البيانات التي تحملها الملصقات. وعن المعلومات الطبية التي تحملها بعض الملصقات لعلامات معينة والتي توصي المستهلك بتناولها في حالات مرضية تخص المعدة أو اضطراب جهاز الهضم وحتى بالنسبة للأمهات الحوامل والرضع، يقول طبيب مختص في الطب الداخلي أن مثل هذه البيانات هي عبارة عن تحايل صارخ للقانون، فقد يمكن أن يتسبب تناول هذه المياه في بعض الحالات المرضية في تعقد حالة المريض لأن وصفها يكون من صلاحيات الطبيب نفسه المتابع للحالة، كما أن الجزائر على خلاف باقي الدول الأوروبية لا تسوق مياها معدنية علاجية والتي يجب أن تحتوي على أملاح معدنية معينة تأتي من مصدر المياه ولا يمكن إضافتها مثل الكالسيوم، الحديد، البيكاربونات وغيرها، والغريب يقول الطبيب أن مثل هذه المواصفات العلاجية قد نجدها حتى في ملصقات مياه منبع.