رافعت الجزائر في اجتماع قادة أركان جيوش سبع دول من الساحل الصحراوي المنعقد أمس بالنادي الوطني للجيش ببني مسوس بالعاصمة من أجل وضع استراتيجية موحدة لمكافحة التهديدات الإرهابية وانتشار كل أشكال الجريمة المنظمة، وأكدت أن غياب العمل المشترك سيفتح المجال أمام التدخل الأجنبي في المنطقة. استضافت الجزائر أمس اجتماعا لقادة أركان جيوش كل من وفود ليبيا، موريتانيا، مالي، النيجر، بوركينا فاسو وتشاد في خطوة لتنسيق جهود دول الساحل الإفريقي لمكافحة الإرهاب وكل أشكال الجريمة العابرة للأوطان، بغرض فتح آفاق لتحقيق التنمية لسكان المنطقة، وفي هذا السياق دعا قائد أركان الجيش الوطني الشعبي الفريق أحمد قايد صالح في كلمة ألقاها في افتتاح أشغال الاجتماع إلى ضرورة وضع ''استراتيجية موحدة'' بين بلدان الساحل الإفريقي لمكافحة التهديدات المتنقلة، مع تحديد كيفيات تجسيد هذه الاستراتيجية. وقال الفريق قايد صالح حسب ما نقلته وكالة الأنباء الجزائرية أمس أن الجزائر ''تتشرف باستضافة فضاء الحوار هذا من أجل مناقشة مسائل الدفاع والأمن المشترك وإزاحة الاختلافات المحتملة أمام وضع استراتيجية موحدة لمكافحة التهديدات المتنقلة''. ووصف الاجتماع بالخطوة الاستراتيجية في سياق البحث عن حلول مشتركة للمشاكل والتحديات التي تواجه البلدان السبع، وأشار إلى أن هذا اللقاء يأتي بغرض ''تنسيق كفاحنا وتمكين سلطاتنا السياسية من تكريس جهودها لمتطلبات النمو الاقتصادي والاجتماعي لفائدة شعوبنا''، وأوضح بأن الجزائر على يقين بأن كل الدول المشاركة في هذا ''الحوار'' ''تستطيع القيام بمسؤولياتها كاملة تجاه هذا الطموح المشروع''. وقال الفريق أحمد قايد صالح أن رفع تحدي تحقيق التنمية في الساحل الصحراوي ''لا يتطلب سوى حصر قضايا الأمن التي تعكر صفو المنطقة'' وأبرز في هذا المنظور الحاجة إلى تحديد الطرق والوسائل الكفيلة بمعالجة الوضع الأمني، وذلك لن يتأتي سوى عن طريق تعريف وتجسيد نموذج ملائم للتعاون العسكري. وعبّر قائد أركان الجيش الجزائري عن قناعته بأن استجابة كل دول الساحل الصحراوي للمبادرة الجزائرية ''ستساهم في تعزيز تعاوننا وتوطيد أواصر الأخوة والتضامن وحسن الجوار لإعطاء نفس جديد في جو من التشاور لجهودنا المبذولة في سبيل تحقيق هدفنا الأساسي لمطاردة الإرهاب والقضاء عليه حيثما كان''. وحذر الفريق قايد صالح من أن أي غياب للعمل المشترك والمنسق لردع الإرهاب العابر للأوطان والجريمة المنظمة والآفات المتصلة بها، سيفتح ''الأبواب للتدخل الأجنبي''. وأضاف أن هذا هو ''ما يمثل فعلا التحدي الرئيسي الواجب علينا رفعه بمسؤولية مشتركة''. وعلى هذا الأساس فقد اعتبر قائد أركان الجيش الوطني الشعبي انعقاد هذا الاجتماع في حد ذاته ومستوى التمثيل فيه بمثابة ''إخفاق جلي لنوايا التدخل''، وأيضا ''دليل على قوة تماسكنا والتزام حقيقي لبلداننا وقواتنا المسلحة للعمل في إطار منسق وموحد لإرادتنا وخبراتنا وقدراتنا العسكرية''. ولكن بخلاف ذلك أشار الفريق أحمد قايد صالح إلى ''غياب نظرة موحدة'' بين بلدان الساحل الصحراوي في مكافحة الإرهاب، وتوجه كل دولة نحو اتباع حلول فردية وبطرق ووسائل خاصة بها، واعتبر أن هذا التصور لن تكون له فعالية، وشدد على ضرورة أن تتحرك كل دول الساحل ككتلة واحدة، وقال ''إننا سنكون أكثر قوة إذا قمنا بذلك سويا على أساس تعاون وثيق وفعال في خدمة قضية السلم والاستقرار بصفتها ضمانا للرفاهية والعيش الكريم لشعوبنا التي تربطها أواصر التاريخ والجغرافيا''، ودعا إلى البحث عن الطرق والوسائل الكفيلة بتعزيز التعاون بين بلداننا بغية الوقاية من الإرهاب بكل أشكاله وتفرعاته طبقا للقرارات والأدوات القانونية للأمم المتحدة وللاتحاد الإفريقي وغيرها من الآليات الثنائية ومتعددة الأطراف ذات الصلة. ولدى تطرقه إلى تجربة الجزائر في محاربة الإرهاب أكد الفريق قايد صالح أن هذه الظاهرة ''قد تم القضاء عليها بنسبة جد عالية'' بفضل ''التطبيق المحكم لاستراتيجية متعددة الأبعاد تستند إلى الكفاح الذي يخوضه الجيش الوطني الشعبي ومصالح الأمن دون هوادة مسنودا بالدعم الشعبي الحقيقي والمخلص، ومدعما بالتدابير المحفزة على المصالحة الوطنية الصادرة عن أعلى المستويات السياسية''. وأعرب قائد أركان الجيش الوطني الشعبي في الأخير عن أمله في أن تترجم أشغال هذا الاجتماع ''بنتائج ملموسة ليس على صعيد ممارسة المسؤوليات الخاصة بكل منا عن طريق إرساء نموذج للتعاون العسكري المفيد والمثالي فحسب، بل أيضا على صعيد التداعيات الإيجابية التي ستخدم استقرار شعوبنا وتلاحمها حول مشروعنا الرامي إلى ضمان السلم والاستقرار والأمن عبر كافة فضائنا الجغرافي الساحلي الصحراوي''. ويعد اجتماع قادة أركان جيوش الدول السبع امتدادا للندوة التنسيقية لوزراء الخارجية المنعقدة بالجزائر في 16 مارس الماضي، واتفق المجتمعون فيها بعقد لقاءين الشهر الجاري الأول يضم قادة الجيوش وآخر لوزراء الداخلية، الهدف منهما تنسيق الجهود وبعث استراتيجية موحدة لمواجهة التهديد الأمني في المنطقة. ومن جهة أخرى أكد الناطق الرسمي باسم الاجتماع العقيد سبع مبروك في تصريح للصحافة بعد انتهاء الجلسة الصباحية أن قادة أركان جيوش بلدان الساحل الصحراوي مقتنعون بضرورة العمل الجماعي المشترك ضمن استراتيجية شاملة وموحدة لمواجهة التهديد الإرهابي، والقضاء على الظاهرة وتوفير شروط الأمن والاستقرار والعيش الكريم لشعوب المنطقة. وأضاف أن الجميع متمسك بترقية التعاون والتنسيق الأمني لإرساء ''آلية ملائمة'' لمكافحة آفة الإرهاب وتفرعاتها. واعتبر أن الاجتماع يأتي في ظرف متميز جدا يطبعه ''استمرار الإرهاب وتفرعاته التي بدأت تأخذ أبعادا مقلقة خاصة مع تنامي شبكات المتاجرة بالأسلحة والمخدرات والتي تشكل عنصر تهديد وعدم استقرار وعائقا فعليا لجهود التنمية الاجتماعية والاقتصادية.