انطلقت أمس بالمركب الثقافي "الهادي فليسي" أشغال ملتقى "المسرح والمدينة" في طبعته الثانية الذي تنظمه مؤسسة "فنون وثقافة"، وذلك بحضورالعديد من المختصين والمشتغلين والمهتمين بالفن الرابع مع تسجيل الغياب الكبير للفنانين ومدراء المسارح بما فيها مدير المسرح الوطني الجزائري امحمد بن قطاف· الملتقى لم يبتعد في يومه الأول كثيرا عن الموضوعات والمحاور التي نوقشت قبل سنة وبالضبط في فبراير 2006، كما شهد نفس الحضور تقريبا الذي عرفه في طبعته الأولى، حيث قدم الدكتور مخلوف بوكروح الذي افتتح الجلسة نظرة حول المسرح والمدينة في محاضرة بعنوان " المسرح والمدينة، الحضور الحي"، استهلها باستعراض مجموعة من التعاريف للمسرح والمدينة، ليخلص إلى أنّ العلاقة بين المسرح والمدينة، علاقة تبادل ذلك لأنّ المسرح هو فن الحضور بامتياز- يقول بوكروح - يبنى على الحضور الحي للممثلين والمتفرجين· ومن جهة أخرى سلّط الأستاذ المحاضر بجامعة الجزائر الضوء على الشكل المعماري للمسرح، مؤكّدا أنّ لهذا الجانب دور أساسي في عكس شخصية المواطن وهويته والبحث عن ذاته، إذ لسنا مجبرين على استيراد الشكل المعماري لمسارحنا كما نستورد البضائع الاستهلاكية الأخرى، معبّرا بالمقابل عن أسفه للانكماش الذي عرفته الفضاءات الفنية والثقافية في الجزائر، مشيرا إلى أنّ العاصمة بوصفها المدينة عجزت في التأثير على سكانها القادمين من الجبال والمداشر، وتحويلهم إلى مواطنين مدنيين لكن العكس هو الذي حصل مضيفا بقوله: "العاصمة قرية كبيرة لم تؤثّر في سكانها المنحدرين من الأرياف، بل هم الذين أثّروا فيها من خلال تشويه النسيج العمراني، التكديس العشوائي للسكان، غياب النظافة والفوضى"· ومن جهته توقّف الأستاذ حافظ جديدي من جامعة سوسة التونسية عند المسرح باعتباره المسير الحيوي في النسيج العمراني، مؤكّدا أنّ المسرح ضرورة أو حاجة إجتماعية ملحة تندرج ضمن حاجيات الإنسان الروحية كالمسجد والمقهى··· أمّا الممثل الكوميدي الفرنسي صاحب أكثر من 50 مسرحية ايفون غوموف من مسرح مارسيليا فقد انتقد من جهته الوضع الذي آل إليه المسرح في بلد الجن والملائكة، مؤكّدا أنّ هذا الفن اختلط بالسياسة وأصبح يعكس رغبات الساسة أكثر من طموحات الفنانين أنفسهم وذلك في محاضرة عنونها ب"العوامل المؤثّرة في المسرح، المدينة والمواطنة" داعيا إلى ضرورة إعادة الخبز لخبازه والفن لأصحابه وأن يكتفي السياسي بتوفير الإطار المريح والإمكانات الضرورية التي تمكّن الفنان من التعبير بكل حرية عن ما يريد أن يقوله، مشيرا في سياق متّصل أنّ الفنان الفرنسي اليوم مسموح له أن يقول ما يريد لكن ليس له الإمكانيات لفعل ذلك· الأستاذ عبد كريم برشيد من المغرب المعروف باهتمامه بالمسرح الاحتفالي خاض من جهته في موضوع "الوطن والمواطن في الرؤية الاحتفالية" مقدّما مقاربة نظرية في العلاقة المركّبة التي تربط الإنسان المدني بالمسرح، بالمجتمع، بالوطن وبالعالم المعاصر· ومن جامعة باريس قدّم كلّ من الأستاذة كاترين برون ولامية بيركسي قراءة في المدينة في مشهد"أرموند قاتي وتحدي المستحيل" ومقارنة بين الفن المعماري بين مسرح الجزائر وبوخاريست، وقبل ذلك أشار مدير مؤسسة "فنون وثقافة" السيد رضوان محمدي في كلمته الافتتاحية إلى أهمية الملتقى في طبعته الثانية وإلى ضرورة فتح النقاش حول مكانة المسرح في المدينة والدور الذي يجب أن يلعبه ومكانة الفنان داخل المدينة ومدى ارتباط المسرح بهموم الناس ومشاكلهم اليومية· يذكر أنّ فعاليات الملتقى ستختتم مساء اليوم وستشهد العديد من المداخلات التي ستتناول التجارب المسرحية في كل من سيدي بلعباس، مستغانم، عين تموشنت وغيرها، كما شهدت مساء أمس تنظيم موائد مستديرة بكل من المعهد العالي للحرف وفنون الاستعراض والسمعي البصري لبرج الكيفان، معهد اللغة الفرنسية بجامعة الجزائر، معهد تكوين إطارات الشباب بتقصراين ومركب "الهادي فليسي" تمّت خلالها مناقشة العديد من المحاور