ستكون العلاقات الفرنسية الإفريقية بداية من اليوم بمدينة نيس في صلب أشغال قمة فرنسا إفريقيا الخامسة والعشرين في مسعى مشترك لتطوير العلاقات الاقتصادية بين هذه الدولة الاستعمارية وقارة كانت إلى وقت قريب عمقها الاستراتيجي في العالم. ويسعى الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ظاهريا من خلال هذه القمة إلى تأكيد نظرته الجديدة لعلاقات التعامل بين الطرفين من خلال إحداث قطيعة مع الأساليب السابقة التي اعتمدت علاقة القوة الاستعمارية مع قارة كانت الكثير من دولها مستعمرات خاضعة تحت سيطرتها. والواقع أن الرئيس الفرنسي إنما يريد من خلال أول قمة يحضرها منذ اعتلائه كرسي الإليزيه شهر ماي 2007 إلى وضع آلية لإبقاء هيمنة بلاده على مستعمراتها القديمة وعلى دول إفريقية أخرى ولكن وفق ترتيبات جديدة تأخذ بعين الاعتبار درجة الوعي الحاصلة داخل مجتمعات هذه الدول وحتى رغبة أنظمتها في تغيير النظرة إليها كدول ندية وليس كمستعمرات تابعة. وهي الإشكالية التي تسعى فرنسا لإيجاد حل لها ولكن بما يبقي سيطرتها وجعل هذه الدول مناطق محمية وتابعة لها ولكن بطريقة أكثر لباقة وتهذيب. وسيعكف رؤوساء 53 دولة وحكومة إفريقية رفقة نظيرهم الفرنسي طيلة يومين على بحث كل القضايا المطروحة تحت شعار ''التجديد'' الذي يأخذ بعين الاعتبار هذه التطورات ويراعي المطالب المتزايدة لقارة لا تريد أن تكون في كل مرة تابعة للآخرين. والحقيقة أن إصرار فرنسا على جمع قادة الدول الإفريقية في قمم دورية يعد أمرا مفروضا بعد أن بدأت تستشعر الخطر الصيني والأمريكي وحتى الهندي الذي بدا يزاحمها حتى في نطاق دائرة تأثيرها الاستراتيجي في مستعمراتها السابقة. وتمكنت الصين ومعها الهند القوتان الصاعدتان في العالم منذ أكثر من عشرية من كسر قاعدة ''المستعمر والمستعمَر'' التي تعاملت وفقها الدول الاستعمارية مع مستعمراتها السابقة لصالح مقاربات أكثر براغماتية جعلت الدول الغربية تنظر إلى الزحف الاقتصادي الصيني والهندي بعين الريبة والخوف والخطر أصبح يهدد مصالحها في قارة عذراء اقتصاديا. وتيقن الرئيس الفرنسي من خطر المنافسة على قلاعه التقليدية وراح يوجه رسائل تفهم باتجاه الدول الإفريقية وقال مخاطبا شعوبها أن فرنسا لا تريد أن تكون دركيا إفريقيا في تحذير واضح لأنظمتها العسكرية الديكتاتورية التي كانت تحظى بالدعم المالي والعسكري في وجه شعوبها مادامت تضمن المصالح الفرنسية. ولكنه حتى وإن أبدت فرنسا ''الساركوزية'' نية في تغيير نظرة الآخرين إليها وتبييض صورتها إلا أنها في الحقيقة تسعى فقط إلى تكييف طرق التعامل مع مستعمراتها القديمة وكل إفريقيا حتى لا تخسر كل شيء في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم. وهو ما جعل الرئيس ساركوزي يحرص في كل مرة على التأكيد برغبته في إعطاء هذه العلاقات طابعا اقتصاديا محضا بدليل تركيز القمة على تنظيم عشرات اللقاءات بين رجال الأعمال الفرنسيين ونظرائهم من مختلف الدول الإفريقية من أجل بحث مجالات الاستثمارات لهذه الشركات في إفريقيا. وهو الحرص الذي يهدف في جوهره إلى تمكين الشركات الفرنسية من الخروج من حالة الركود التي تعانيها والتي يوشك الكثير منها على إفلاس حتمي أمام منافسة نظيراتها الصينية والأمريكية.