ألقى رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة أمس كلمة حول قضايا الأمن والسلم بمناسبة قمة إفريقيا- فرنسا بمدينة نيس. فيما يلي نصها الكامل: ''فخامة الرئيس أصحاب الفخامة والدولة رؤساء الدول والحكومات حضرات السيدات والسادة تشكل قضية السلم والأمن هاجسا بالنسبة لإفريقيا. ذلك أن استمرار النزاعات وبؤر التوتر يحد من قدراتها ويعوق بقدر خطير جهودها من أجل التنمية الاقتصادية الاجتماعية وتمتع شعوبها بالرفاه. إن إصرار إفريقيا على مواجهة آفة النزاعات بكل قوة وعلى رفع تحدي السلم والأمن يؤكده جليا العقد التأسيسي للاتحاد الإفريقي وبرنامج الشراكة الجديدة من أجل تنمية إفريقيا (نيباد). والإصرار هذا يقوم على اعتماد إفريقيا لمسارات وآليات تسوية النزاعات وإدارتها وتعزيز السلم والأمن اللذين تتوقف عليهما أهلية كل عملية تنمية اقتصادية واجتماعية للجدوى والدوام. لقد وضع الاتحاد الإفريقي منظومة أمن جماعي وهندسة بنيته للسلم والأمن. وشارك من خلال آلياته المتمثلة في مجلس الأمن والمفوضية في دفع مسارات السلام قدما وفي تحقيق تقدم معتبر على درب إعادة السلم والاستقرار وتعزيزهما. وهناك بلدان من مثل كوت ديفوار وسيراليون وليبيريا والقمر تماثلت رويدا رويدا للتعافي من مخلفات الأزمات التي عاشتها وباشرت عمليات لإعادة الإعمار والتنمية. وسجلت عملية السلام في جنوب السودان وفي منطقة البحيرات الكبرى تقدما هاما ينبغي تعزيزه بالتطبيق التام للقرارات والاتفاقيات المبرمة بين الأطراف الرئيسة في هذه الأزمة. كما تحظى كافة النزاعات وبؤر التوتر الأخرى من مثل تلك السائدة بالصومال ودارفور بجهود دائبة من أجل اعتماد حلول عادلة ودائمة. هذا وإن الاتفاقين الإطارين المبرمين بالدوحة يومي 23 فبراير و19 مارس 2010 على التوالي بين الحكومة السودانية وحركة العدل والمساواة وحركة التحرير من أجل الحرية يشكلان الإطار الأمثل للتسوية النهائية والدائمة لأزمة دارفور ومكسبا هاما ينبغي الحفاظ عليه وتعهده بالدعم. وبما أنهما يتمتعان بمساندة الاتحاد الإفريقي والمجموعة الدولية فإنهما يستحقان من حيث ما يحملانه من الوعود وما يسوغانه من الآمال الدعم والمساندة من أجل الوصول إلى اتفاق سلام نهائي. في هذا السياق نوجه نداء للمجموعات الأخرى للانضمام إليه وإلى المجموعة الدولية لحثها على مساندة الجهود الإفريقية مساندة فعلية تمكن الشعب السوداني من العودة إلى سابق وحدته ورفء لحمته والتفرغ في نهاية المطاف لمسعى إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية والاجتماعية الذي لا بد منه. يستحق الصومال كذلك اهتمامنا ومساندتنا، إن الأزمة الصومالية لا يمكن اختزالها في مجرد مسألة قرصنة بحرية، فالبلاد ما تزال فريسة للااستقرار رغم اتفاق جيبوتي وانتخاب الرئيس شيخ شريف أحمد والبرلمان الموسع. إن جو اللاأمن والعنف السائد بفعل المجموعات المتمردة وتكثيف أعمال القرصنة عرض السواحل الصومالية جاءا ليزيدا من تعقيدات وضع كان قبل ذلك يتسم بشديد الهشاشة. فلا مندوحة من دعم قدرات المؤسسات الصومالية وتعزيز الاستراتيجية الشاملة للخروج من الأزمة وإعادة هيبة الدولة الصومالية بالتمام والكمال. وما من شك في أن دعم البعثة الإفريقية إلى الصومال AMISOM بشريا ولوجيستيا ونشر قوة أممية لتثبيت الاستقرار يساعدان الحكومة الصومالية على إرساء سلطتها والإسراع بمسار تسوية الأزمة. إن الأزمات المتولدة عن العمليات الانتخابية والتغييرات الحكومية المنافية للدستور تشكل هي كذلك مشكلة كبرى انكبت القارة على حلها من أجل تأمين تسيير المسار الديمقراطي بالتوافق وبالتي هي أحسن. إن إصرار إفريقيا على مقارعة ما ينجم عن هذه الأزمات من حالات اللااستقرار يزيد من قوته كون محل الرهان إنما هو الحفاظ على التطورات الديمقراطية التي تشهدها القارة. وقد تجلى ذلكم الإصرار من خلال قرار الجزائر سنة 1999 وبيان لومي سنة 2000 حول التغيرات المنافية للدستور المعتمدين من قبل منظمة الوحدة الإفريقية ومن خلال بيان منظمة الوحدة الإفريقية والاتحاد الإفريقي حول المبادئ التي تحكم الانتخابات الديمقراطية بإفريقيا والبيان حول الحكامة الديمقراطية والسياسية والاقتصادية والمقاولاتية المعتمد في إطار الشراكة الجديدة من أجل تنمية إفريقيا (نيباد). وأما الميثاق الإفريقي للديمقراطية والانتخابات والحكامة المعتمد من قبل الاتحاد الإفريقي يوم 20 يناير 2007 فإنه جاء لتجديد التأكيد على حرص القادة الأفارقة على تجذير ثقافة ديمقراطية قائمة على التنظيم الدوري لانتخابات شفافة وحرة وعادلة. إن هذه النصوص العديدة التي اتخذها الاتحاد الإفريقي لنفسه للوقاية من التغيرات المنافية للدستور ولترقية الديمقراطية وانتخابات حرة وشفافة تقيم البرهان على التزام القادة الأفارقة بتحجيم بؤر التأزم والعمل بلا هوادة على تعميق وتعزيز دولة الحق والقانون وإرساء السلم والأمن. إننا سعدنا بكون مجلس أمن الأممالمتحدة قد استجاب لنداء الاتحاد الإفريقي بتعزيز عدة مكافحة تمويل الإرهاب وأدخل ضمن لائحته 1904 بنود تجرم دفع الفدية للجماعات الإرهابية. وإذ أخذ دفع الفدية للإرهابيين الذين قاموا باحتجاز رهائن أبعادا تبعث على القلق خلال السنوات الأخيرة فإنه بات يقتضي تضامنا متزايدا وضما للجهود من أجل وضع حد نهائي له. لقد تم بذل الكثير من الجهود لحد الآن فيما يخص مكافحة الإرهاب. لكنه يتعين تعزيز الترسانة القانونية بتبني مشروع الاتفاقية الشاملة لمكافحة الإرهاب. إن المساعي التي قام بها الأفارقة أنفسهم لصالح إعادة السلم والأمن تشكل إسهاما كبيرا في المسعى الشامل المتوخي تهدئة النزاعات وتسويتها. إنها تبيّن حرصنا الأكيد على التكفل بأكثر فعالية بسائر العوامل التي تشارك في بروز الأزمات وتفاقم التوترات. وإن البلدان الإفريقية قد صارت تخصص قسطا لا يستهان به من مواردها لخدمة أهداف السلم. إلا أنها بحاجة إلى مساندة أكبر من شركائها على المستويات المالية واللوجستية والتكوينية بما أن قدراتها الخاصة تبقى دون الاحتياجات والمتطلبات التي تفرضها أية سياسة فعالة لاتقاء النزاعات وإدارتها وتسويتها. إن شركاءنا والأوروبيين منهم على وجه الخصوص ينبغي أن يتحملوا قسطهم من المسؤولية ويرافقوا البلدان الإفريقية في جهودها من أجل رفع التحديات العديدة المتعددة هذه. إن التقدم المسجل في الإدارة المشتركة للأزمات بين الاتحاد الإفريقي ومنظمة الأممالمتحدة هو تقدم حقيقي، لكن ما زال الكثير من العمل ينتظر بالقياس إلى الحاجة إلى تعاون مكثف وإلى الالتزام الموصول لشركاء إفريقيا ولمجلس الأمن. من المحبذ تعزيز الشراكة بين الاتحاد الإفريقي والأممالمتحدة من خلال مجلس الأمن والجمعية العامة بما يمكن من القيام في ظروف أفضل بالمبادرات الإفريقية المتوخية إبعاد شبحي الحرب والعنف. إن الاتحاد الإفريقي مستعد لتكثيف المشاورات في سبيل شراكة حقيقية من أجل السلم في إفريقيا يتم فيها تحديد المسؤوليات بجلاء وتوضيح دور كل طرف بقدر ملموس بما يجعل من البنية المعدة لخدمة أهداف الوقاية من النزاعات وتسييرها وتسويتها إطارا عمليا وفعالا على نحو أفضل. إن شراكة كهذه ينبغي أن تسوقنا كذلك إلى العمل سويا من أجل تعزيز القدرات القارية والآليات العملياتية الموجهة لتعزيز منظومة أمننا الجماعي بما يمكننا من اتقاء الأزمات الكامنة وتحجيم النزاعات المعلنة وترقية تسويتها المستدامة''.(واج)