شيعت أمس بمقبرة العالية بالعاصمة جنازة المرحوم الدكتور عبد الله شريط (89 سنة) في جو مهيب بحجم فقدان أحد أعمدة الفكر في الجزائر. الفقيد كان مناضلا في الحركة الوطنية، حيث ساهم في التعريف بالقضية الوطنية من خلال كتاباته في الصحف التونسية خاصة بعد اندلاع الثورة. ينتمي الراحل إلى السلسلة ''الذهبية'' من رجالات التنوير الذين استوعبوا معطيات عصرهم ورهانات المستقبل، إذ يبرز في السلسلة الذهبية، المغاربية عباقرة تجاوز تأثيرهم عصرهم مثل ابن رشد الحفيد وابن خلدون وابن باديس ومالك بن نبي. وقد حصل الدكتور شريط على موقع لا تحجبه المعاصرة بين هؤلاء الفاتحين، فهو باحث في ظواهر المجتمع وفي واقعه الكلي وفي استمراريته التاريخية، أثرى المفاهيم الخلدونية في فلسفة التاريخ وعلم العمران وسياسات الدولة بين النظرية والتطبيق، وانطلق من المنهجية الخلدونية لدراسة عدد من مواثيق الجزائر مثل ميثاق الصومام وطرابلس والميثاق الوطني، واجتهد في الإجابة عن المسافة التي تفصل النظريات والإديولوجيات عن الواقع. الدكتور شريط شخصية متعددة المواهب والاختصاصات فهو شاعر وأديب وناقد ومرب وكاتب ومترجم بارع راسخ القدم في لغة الضاد ومن المدافعين عنها، ويتقن لغة فولتير دون الهجرة إليها فكرا أو لسانا ويرجع له فضل نقل كتابات الصحافة الأجنبية عن جزائر الثورة والتعليق عليها، كما ساهم في كتابة افتتاحيات ''صوت الجزائر الحرة'' التي كان يقرأها عيسى مسعودي. من بين مؤلفات الراحل نجد ''الأخلاق في فلسفة ابن خلدون'' وكتاب ''من واقع الثقافةفي الجزائر'' و''حوار إيديولوجي حول القضية الفلسطينية'' و''الصحراء الغربية'' و''المشكلة الايديولوجية وقضايا التعليم في الجزائر''، كما صدرت أعماله الكاملة عن منشورات وزارة الثقافة في سبعة مجلدات احتوت كل أعماله الفكرية وكتاباته الفلسفية التي تناقش أهم قضايا الجزائر والأمة العربية. كان الرجل صاحب مشروع فكري وفلسفي رائد كما كان باحثا عن سعادة الإنسان ومنظر للديمقراطية وقارئا نقديا ومؤرخا لتاريخ الأفكار، واستطاع تجاوز ذلك التقسيم الذي يضع المفرنسين في خانة المثقفين والمعربين في خانة رجال الدين المشعوذين والكسالى ورد بمقالاته ومواقفه الشجاعة على من شككوا في المنظومة المعربة.