عادت أكوام النفايات المنزلية لمداخل الأحياء السكانية والشوارع الرئيسية للعاصمة منذ مدة مما يوحي للناظر أن مصالح رفع النفايات المنزلية لا تقوم بعملها على أكمل وجه، لكن عندما نشاهد مواطنين يتخلصون من أكياس نفاياتهم في أي وقت من النهار نفك لغز أكوام النفايات والطابور التي تحدثه شاحنات رفع النفايات التي أصبحنا نقابلها في النهار والليل، وهي الصورة التي أثرت سلبا على يوميات سكان وقاصدي العاصمة الذي استاءوا للوضع البيئي لأهم شوارع وأحياء العاصمة التي تغرق في النفايات والروائح الكريهة خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة، علما أن التوقعات تشير إلى أن العاصمة تحصي رمي أكثر من 900 ألف طن من النفايات المنزلية ناهيك عن النفايات الصناعية التي تبقي أرقامها متضاربة. لا يمر الواحد منا من شارع أو حي إلا ويشده منظر النفايات المتراكمة هنا وهناك والتي تنبعث منها روائح كريهة، لتجد السكان يشتكون من انتشار البعوض والفئران على مدار فصل الصيف يعكرون عليهم راحتهم بعد فشل كل المحاولات التي تبنتها المصالح المحلية وحتى السكان أنفسهم الذين وجدوا أنفسهم مجبرين عن البحث عن كل التقنيات الحديثة والقديمة منها للتخلص من الحشرات والحيوانات الضالة التي اجتاحت معظم أحياء العاصمة بشكل ملفت للانتباه، وهو ما أرجعه السكان إلى النفايات التي تضل لأكثر من يومين من دون جمعها. وبحي تقصراين ببلدية بئر خادم أعاب سكان الحي على مصالح النظافة التابعة للبلدية التقصير في عملهم اليومي بعد رفضهم في كل مرة جمع كل النفايات التي تعود السكان على وضعها في إحدى زوايا الحي بسبب صغر حجم الحاوية المخصصة لذلك مقارنة بعدد السكان، وهو ما يجعلهم في كل مرة يلجأون إلى الحرق العشوائي للنفايات وهي الظاهرة التي انتشرت بعدد من أحياء المجاورة، أما حي عين النعجة العتيق فهو الآخر يعاني من إشكالية تراكم النفايات في المفرغات المخصص لجمعها، في الوقت الذي أقام بعض السكان مفرغات عشوائية هنا وهناك دون الاكتراث إلى أنها لا تقع عبر المحور المسطر من طرف أعوان جمع النفايات، وما زاد الطينة بلة هي أكوام ردوم الترميمات التي يقوم بها المواطن بمسكنه والتي تشكل خطرا على سلامة المارة والأطفال. من جهتهم، أعرب سكان بلديات كل من براقي والحراش وبوزريعة، عن استيائهم الشديد جراء الوضع الذي آلت إليه أحياؤهم والتي تسببت بشكل مباشر في تشويه الوجه الحضري لها، دون الحديث عن المشاكل الصحية الناجمة عن النفايات التي يصعب احتواؤها في ظل تفاقم الوضع حيث سجل ارتفاعا في حالات الإصابة بالأمراض التنفسية والجلدية وسط الأطفال وفئة الكهول بشكل عام، ورغم محاولات السكان الاتصال بالسلطات المحلية لحثها على تجنيد فرق النظافة لتنظيف الحي إلا أن كل المحاولات باءت بالفشل، ولا يخف السكان الذين تقربنا منهم مسؤولية كل سكان الأحياء في الوضعية الكارثية التي آلت إليها فضاءات الحي، مرجعين الأمر إلى ثقافة البعض المبنية على شعار ''نظف داخل البيت وفي الخارج أترك الأمر للآخرين'' وهو ما يصفه عمي سعيد بتخلف العديد من العاصميين رغم مراكزهم الاجتماعية في بعض الأحيان. وما زاد من قلق السكان هو عودة ظاهرة رمي النفايات من شرفات المنازل حسب حسين الذي يقطن ببلدية بئر خادم، الذي حضر شخصيا هذه المظاهر غير الأخلاقية على حسب تعبيره، فلا يمكن المرور من تحت شرفات المنازل من دون لمح أكوام من النفايات المكدسة هنا وهناك من دون أن يتدخل أحد للحد منها. مشيرا إلى تسجيل العديد من المناوشات والشجارات بين سكان العمارة نفسها لهذه الأسباب، حيث هناك من السكان من يترك مهمة إخراج النفايات للأطفال الذين يتركون أكياس النفايات وراء الباب الرئيسي للعمارة أو حتى تترك نصف هذه النفايات بين سلالم العمارة. النفايات المنزلية مصدر المناوشات والشجارات حديث حسين جعلنا نقف عند انعكاسات أخرى لثقافة المواطن مع'' نفاياته المنزلية'' التي لا تزال منحصرة في دائرة ''الطابوهات'' وسط المجتمع، حيث تسجل مصالح الأمن فى كل مرة حالات شكاوى لمواطنين على جيرانهم بسبب النفايات المنزلية التي توضع عند مدخل منازلهم، والتي تتسبب في كل مرة في مناوشات كلامية وشجارات بين السكان. وفي السياق تقول الحاجة زهرة القاطنة بحي تقصراين أنها كانت تظن أنها أول ما ستنتقل إلى منزل كبير ستنتهي مشاكلها مع النفايات المنزلية التي كانت تشتكي منها خلال فترة تواجدها بحي شعبي، لكنها تفاجأت بكون الإشكال عاما لا يخص الأحياء الشعبية فقط بل ينتشر بشكل ملفت للانتباه بالأحياء الراقية هي الأخرى. ولدى تقربنا من أحد عمال رفع النفايات أكد لنا أن إشكالية النظافة ورفع النفايات لا يمكن تحميلها لعمال مصالح النظافة فقط كون للمواطن مسؤوليته في ذلك. مؤكدا أن عملهم يقتضي بالخروج في أربعة دوريات اثنين في الليل واثنين في النهار قصد جمع أكبر قدر ممكن من النفايات التي نراها نحن العمال ''لا تنتهي'' فلا ننفك من رفع كل النفايات من مكان واحد حتى نجده على نفس وضعيته السابقة في النهار، وهو ما يؤكد عدم احترام المواطن لساعات رمي النفايات ولا حتى احترامه لمهنتنا التي تبقي في آخر سلم ترتيب المهن المعترف بها. وحسب تصريح صديق العامل وهو شاب في مقتبل العمر فيؤكد وعلامات الحسرة بادية في وجهه، أنهم غالبا ما يتم نعتهم بكل الصفات القبيحة في الوقت الذي يقدمون فيه أحسن خدمة للمواطن وهو مساعدته على التخلص من نفاياته وتنظيف محيطه. مشيرا إلى ضرورة التفات السلطات المحلية لهم وللمهنة المهمشة. من جهتها تؤكد السلطات المحلية لبلديات العاصمة أن إشكالية تراكم النفايات بعدد من أحياء وشوارع العاصمة تعود لنقص إمكانيات رفع النفايات وتنظيف الشوارع بشكل عام مقابل ارتفاع عدد سكان العاصمة من سنة إلى أخرى. فرغم كل المساعدات المالية التي تخصصها الولاية سنويا لتدعيم مصالح النظافة بالتجهيزات الضرورية إلا أنها تبقي غير كافية على حد تعبير المسؤولين، أما مؤسسة رفع النفايات المنزلية ''نات كوم'' التي تنشط عبر 28 بلدية من أصل 57 فهي تحاول وضع عدد معتبر من الحاويات عبر مختلف البلديات وهي التي وصل عددها إلى 10 آلاف وحدة تتراوح قدرة استيعابها بين 240 و500 لتر، وعدد كبير من سلات المهملات التي وزعت على الشوارع الرئيسية للعاصمة يقوم أعوان المؤسسة بتنظيفها وإفراغها يوميا، وحفاظا على هذه الحاويات وعلى نظافة الأمكنة التي تتواجد بها، اقتنت المؤسسة مؤخرا شاحنتين لغسل الحاويات ونقاط جمع النفايات للإبقاء على نظافة الأحياء، غير أن كل هذه التدابير لم تساهم في الحد من ظاهرة التلوث البيئي الذي تعاني منه التجمعات السكانية. ولتصدي للظاهرة سطرت ولاية الجزائر برامجا لتجهيز مؤسسة ''نات كوم'' قبل نهاية السنة الجارية بعدة وسائل عمل حديثة منها 60 شاحنة جمع النفايات من الطراز الحديث ''دكاكة وكناسة ميكانيكية''، 10 منها دخلت حيز النشاط مؤخرا مع إدماج 717 عاملا بطريقة رسمية في إطار التشغيل، غير أن ظاهرة تخريب وسرقة الحاويات تثقل كاهل المؤسسة التي تحصي عملية اختفاء 44 بالمائة من الحاويات التي يتم وضعها عبر التجمعات السكانية. النفايات الطبية تهدد العاصميين إشكال آخر تتطرق إليه الجهات المسؤولة عن رفع النفايات وهي الأخطار المحدقة بالتجمعات السكانية القريبة من المناطق الصناعية والمؤسسات الاستشفائية التي تتخلص من نفايتها بطريقة غير شرعية وتحتال من خلال خلطها مع تلك الموجهة لمراكز الردم، الأمر الذي يخلق إشكالات واعطاب عديدة بتجهيزات الفرز، ناهيك عن المخاطر الصحية التي تهدد سلامة صحة المواطن بعد تسجيل ارتفاع حالات الإصابة بالأمراض المستعصية، حيث تقدر مؤسسة ''نات كوم'' حجم النفايات الاستشفائية وحدها ب 124 طنا سنويا منها 22 ألف طن من النفايات المتعفنة و29 ألف طن من الفضلات السامة، كما أن مثل هذه المؤسسات ساهمت بشكل كبير في الرفع من عدد المفرغات العشوائية التي بلغ عددها 350 نهاية السنة الفارطة، علما أن نسبة النفايات التي تجمعها مختلف المصالح المختصة عبر بلديات العاصمة تزيد عن 900 ألف طن وما يبقي عبر المفرغات العشوائية يزيد عن 300 ألف طن التي تبقي في العراء وتتحلل في الأرض مما يتسبب في انتشار عدة أمراض. مبادرات لو تعمم............ أمام تفاقم الوضع بعدد من الأحياء بسبب النفايات المنتشرة هنا وهناك بادر الشباب الواعي إلى تنظيم حملات نظافة بالتنسيق مع مؤسسة ''نات كوم'' والمصالح البلدية لتجهيزهم بالشاحنات لرفع النفايات وأكياس جمع النفايات، وهي المبادرة التي يفضل الشباب تنظيمها أيام عطل نهاية الأسبوع، حيث يتجند الكل لتنظيف الحي بإشراك الأطفال لغرس مثل هذه المبادرة فيهم مستقبلا، حيث تهتم النسوة بالتنظيف داخل العمارات والرجال بالخارج، وهناك بعض السكان ممن نظموا أنفسهم بعمارتهم من خلال تحديد مواقيت وأماكن رمي النفايات التي يجب أن تكون في أكياس خاصة ومغلقة.