عقد الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف أمس بمنتجع سوتشي على البحر الأسود قمة رباعية ضمت الرئيس الأفغاني حامد كرزاي والباكستاني عاصف علي زرداري والرئيس الطاجيكي رحمون ايمومالي لبحث الأوضاع في المنطقة. وإذا كانت هذه القمة هي الثانية من نوعها منذ عام تحمل في ظاهرها دلالات سياسية ولكنها في الواقع تعقد بخلفيات وحسابات استراتيجية يلخص الطموح الروسي الجديد الذي يمثله الثنائي ميدفيديف وبوتين من أجل استعادة الدور الروسي المفقود في منطقة كانت إلى وقت قريب مجالا حيويا لموسكو. ويندرج عقد قمة سوتشي ضمن التحركات الدبلوماسية الروسية لاستعادة المبادرة في دول إستراتيجية على حدودها الغربية وضمن محاولة لدخول منطقة جيو سياسية استحوذت عليها الولاياتالمتحدةالأمريكية مستغلة الفراغ الذي تركه انهيار الدولة السوفياتية السابقة تحت وطأة الأزمة المالية والصعوبات الدبلوماسية التي واجهتها تسعينيات القرن الماضي. ولم يخف الرئيس ديمتري ميدفيدف التوجهات الاستراتيجية الجديدة لبلاده في محيط تعتبره طريقها إلى المياه الدافئة في البحر المتوسط مرورا عبر منطقة الشرق الأوسط الاستراتيجية في كل الحسابات الدولية. وتكون السلطات الروسية من خلال ''هجومها الدبلوماسي'' قد استغلت المشاكل التي تواجهها الإدارة الأمريكية في تسيير الأزمة الأفغانية والباكستانية من خلال عرض دورها وإقناع كابول وإسلام أباد بقدرتهما على تسوية الكثير من مشاكلهما بحكم التفاهم الممكن والجوار المفروض. وإذا كانت موسكو تريد من وراء هذا العرض تأمين جمهورياتها الإسلامية في القوقاز وآسيا الوسطى من مخاطر مد أصولي متشدد قد يزيد من متاعبها الأمنية في هذه المناطق الساخنة فإنها تسعى أيضا إلى وضع موطئ قدم في هاتين الدولتين لصد نوايا الهيمنة الأمريكية الساعية هي الأخرى إلى محاصرة كل طموح روسي للعب دور محوري في قضايا العالم بعد أن استعادت موسكو عافيتها الاقتصادية واستقرارها السياسي بعد سنوات من الغياب الدبلوماسي حتى في معسكرها السابق. وتدرك موسكو المتاعب السياسية للحكومتين الأفغانية والباكستانية ومشاكلهما في احتواء التذمر الشعبي في بلديهما وهو ما جعلهما يتوجهان شرقا باتجاه روسيا في محاولة للتخفيف من حدة هذه المشاكل وأيضا في رسالة سياسية باتجاه الإدارة الأمريكية التي تتعامل معهما بكثير من الحذر والشك الذي يبلغ في كثير من الحالات عتبة الانتقادات العلنية التي يوجهها المسؤولون الأمريكيون تجاه الحكومتين الأفغانية والباكستانية على السواء. وهو ما يفسر تصريحات الرئيس الأفغاني حامد كرزاي قبل انطلاق القمة وتأكيد رغبته في الحصول على دعم الدول الصديقة والدول الكبرى مثل روسيا لبلاده ''مادمنا نعيش في منطقة واحدة ولدينا مشاكل واحدة وطموحات واحدة أيضا''. ولا يمكن أن تمر تصريحات كرزاي ونوايا موسكو هكذا دون أن توليها الإدارة الأمريكية أذانا صاغية وعيون متفتحة ضمن مراقبتها لكل شاردة وواردة للوضع في أفغانستان وبكيفية لا تريد أن تجعل دولا فاعلة في المنطقة بقوة ووزن ''الدب الروسي'' تخلط عليها حساباتها في تنفيذ سياستها التي ترى فيها جوهر استراتيجيتها للعقدين القادمين ونجاحها يعني بصورة تلقائية تحكمها في الشؤون والقضايا الدولية وبما يضمن لها تأمين ''أمنها القومي'' الذي يعتقد الرئيس باراك أوباما أن مفتاح تحقيقه يمر عبر كابول. وهو ما يعني أيضا أن الإدارة الأمريكية ستجد نفسها مرغمة على وضع النقاط على الحروف بالنسبة للرئيس الأفغاني الذي لا تريده أن يسير في سياق تيار رغبة موسكو لأن ذلك سيمكنها من استعادة مكانتها في منطقة كانت تضعها هي الأخرى ضمن مجالها الحيوي ودائرة أمنها القومي.