انقضى الشهر الفضيل تاركا وراءه الكثير من الصور الإيجابية والسلبية أيضا التي صنعها الإنسان بتصرفاته المختلفة، رحل مودعا جموع المسلمين الذين عاشوا شهرا كاملا حافلا بالمسرات والأحداث التي لا تحدث إلا خلاله، إلا أن هذا الرحيل لم يمرر مرور الكرام، فقد ترك آثاره النفسية والمادية والصحية على المواطن الجزائري، هذه الآثار تحدث لنا عنها مواطنون صعب عليهم رحيل الشهر نظرا لخصائصه المختلفة رغم اختلال الميزانية الذي تفرضه العادات خلال هذا الشهر. تحسر على انقضاء الشهر أسف... ومسحات حزن، هذا أول ما تجده مرسوما على الكثير من الوجوه عند أذان مغرب يوم العيد، فالضيف الذي كان بالأمس مؤنسا قد رحل ولن يعود إلا بعد انقضاء سنة كاملة لمن قدر له العيش وصومه من جديد، وحتى مائدة الإفطار التي كانت مبسوطة خلال ذلك الوقت في اليوم السابق قد رفعت، ولن يجتمع أفراد الأسرة على مائدة الإفطار أو العشاء دائما، فلكل أموره الخاصة التي تشغله، تغير جذري سيعرفه البيت الذي عاش نظاما خاصا لا يتكرر طيلة شهر كامل، وحول هذا الانطباع تقول ''آمال. ب'' موظفة في قطاع التربية ''أصعب الأوقات التي أمضيها بعد انقضاء الشهر الفضيل هي يوما العيد بعد المغرب، حيث أشعر بالكآبة والحزن على انقضاء رمضان، حتى أن الحياة تعود لسابق عهدها وتصبح باردة، وكأن شخصا عزيزا قد رحل وترك الوحشة، علاوة على التغيّر السلبي الذي نعيشه مباشرة بعد الأسبوع الأول من رمضان، إذ يستحيل اجتماع أفراد الأسرة الواحدة على مائدة الغداء وحتى العشاء أحيانا، وأنا شخصيا أشعر باختلال الميزانية بعد رحيله، ونعاني من بعض الضائقة بسبب المصروف الزائد، إلا أن هذا لا يحدث سوى في رمضان، حيث نفضل تناول أشهى المأكولات طيلة الشهر، وغالبا ما أدخر لأخصص ميزانية خاصة له''. أما السيد عبد الله، مواطن مثقف فيرى أن رمضان شهر البركة والصحة النفسية والجسدية يقول ''بما أن رمضان شهر العبادة وليس شهر العادة والتقليد، وشهر الصحة النفسية والبدنية كما جاء في الكتاب والسنة الشريفة، فإنني أرى أنه يخلف الكثير من المسرات للذات، فمن الجانب النفسي فإنه يخلف الاطمئنان والراحة، خاصة أنه فرصة للعبادة وتجديد الثوب الإيماني، كما أنه العبادة الوحيدة التي تعتبر لله وحده، وهي راحة نفسية مشفوعة بتلاوة القرآن الكريم الذي يعتبر مداواة للنفس العليلة، أما من الجانب البدني فالكثير من الناس يصِحّون في رمضان وتخف أمراضهم، فهناك قول مفاده ''المعدة بيت الداء وهي بيت الدواء أيضا'' فالإسلام قدم سبل العلاج من الأمراض وجعل من الشهر الفضيل فرصة ذهبية للظفر بالشفاء، إذ بين لنا المصطفى صلوات الله عليه، طرق تناول الطعام التي قسمها إلى ثلاثة أجزاء، وهي الطعام والماء والنفس، فكل من عمل بها شعر أنه تعافى من الكثير من الأمراض الجسدية، وهو ذات الأمر الذي نسمعه ونقرأه على صفحات الجرائد، حيث يشير الأطباء الأخصائيون إلى أن رمضان شهر الشفاء والرحمة، فالمريض الذي يتعذر عليه صيامه وهبه الله تعالى رخصة الإفطار لدفع الضرر.. بالفعل، إنه شهر الرحمة والعبادة وليس شعر العادة. أما ''طارق'' وهو شاب في مقتبل العمر، فيرى أن أكثر ما يندم عليه بعد انقضاء الشهر هو إغفال جانب العبادة يقول ''الأمر الوحيد الذي نندم عليه بعد رحيل شهر القرآن الكريم هو عدم انتهازنا لفرصة تكثيف العبادة والتقرب من الله عزوجل، أما بالنسبة للجانب الصحي فأنا أشعر بتحسن كبير، ربما يفقد الواحد منا بعض الوزن وهذا أمر طبيعي جدا خاصة أنه تصادف مع فصل الصيف، أما بالنسبة للجانب المادي فقد حرصت عائلتي على وضع برنامج خاص، هناك زيادة في المصروف، نعم إلا أنها لم تكن كبيرة''. من جهته ''موسى'' مواطن جزائري ورب أسرة يتحسر على انقضاء الشهر ويتمنى أن يبلغه الله رمضان المقبل ويعبر عن ذلك ''صراحة أتحسر كثيرا لرحيله، فخصوصياته الروحانية وحتى العائلية لا يمكن أن تتكرر في باقي الأيام، فالمرء يتقرب من الله تعالى بالعبادات والطاعات، ولا أخفيكم أنني أقضي اليوم الأول حزينا على رحيله وغالبا ما أطلب من الله تعالى أن أعيش لأصوم رمضان القادم، علاوة على مزاياه الصحية والنفسية التي تعتبر فريدة من نوعها . وداعا للخرجات واجتماع الأسرة أما ''ن. ساسي'' شابة موظفة تشكو فراغا كبيرا بعد انقضاء أجمل أشهر أيام السنة، وتصرح بهذا الخصوص: ''رحيل رمضان يؤثر فيّ نفسيا، فبذهابه تتغير الكثير من الأشياء، فالمائدة التي كانت تلم شمل الأسرة 30 يوما كاملة ترفع من مكانها، حتى الاجتهاد في العبادات ينقص بعد انقضائه، وحتى الراحة النفسية والاطمئنان الذي نشعر به خلاله يغيب في الأيام الأخرى، كما أن ثقل وعظم العشر الأواخر لا يضاهيه أي شيء . إنه شهر العبادة واجتماع العائلة ''نتوحشوه''... هكذا بادر ''سامي''مواطن جزائري ورب أسرة بالقول حيال انطباعاته عن مخلفات الشهر الفضيل، النفسية والمادية والصحية منها يقول: ''نشتاق إليه فور رحيله رغم أنه كان صعبا نوعا ما نظرا لتزامنه مع فصل الصيف، إلا أنه فرصة للعبادة وخاصة في العشر الأواخر منه، حيث يجتهد المرء في قراءة القرآن، ويعد من أفضل أيام وشهور السنة، فالعائلة تجتمع في كنفه وتزداد أواصر المحبة وروابط صلة الرحم، وأنا شخصيا استفدت كثيرا من الجانب الصحي كوني تخلصت من متاعب كثيرة على مستوى الجهاز الهضمي بفضل الصيام''. أما ''ف. ناصر'' التي تعتبر رمضان شهر التواصل والعبادة، والنظام الترفيه عن الذات تفتقده كثيرا بعد رحيله وجاء على لسانها ''رغم أنه جاء في عز الصيف وشعرنا بالتعب قليلا إلا أن الله رحيم بنا، كما أن الكثير من الأسر والعائلات أمضت أجمل الأيام في أجواء من العبادة وتبادل الزيارات والخرجات التي لا شك أننا سنفتقدها لأنه برحيله ستطفئ أنوار المحلات والمراكز التجارية ليلا، وستنام العاصمة في وقت مبكر، أنه شهر غير عادي ولا يمكن أبدا مقارنته بالأشهر الأخرى، إنه شهر الصدق في المعاملات والركض وراء سبل الخير، وفيه أيضا تقل الأنانية وتطغى الروح الجماعية، أما من الجانب المادي فغالبا ما تعرف الميزانية ارتفاعا لا يعرف الاستقرار إلا بعد مرور شهرين تقريبا من انقضائه لكنه يبقى أجمل الأشهر وأعظمها''.