تتعدد اهتمامات الشباب العاصمي في ميدان العمل لتحقيق آماله وتطلعاته على أرض الوطن بعيدا عن الأحلام الوردية على أرض السراب في المهجر، حيث تختلف طرق كسب لقمة العيش حسب القدرات المعرفية والمادية.اخترنا ميدان التجارة المتنقلة الذي عرف رواجا كبيرا لدى الشباب المستثمر، بحيث طور مهنة نقل البضائع إلى المتاجرة بها في شكل محلات متنقلة على متن شاحنات صغيرة مستوردة من آسيا أو مركبات من الحجم الكبير، تجوب بلديات العاصمة وحتى الولايات المجاورة. يكفي أن تمتلك رأس المال لاقتناء وسيلة النقل والسلع المتاجر بها مع اشتراط السجل التجاري حتى تبدأ العمل في هذا المجال، ذلك ما أخبرنا به سمير من بلدية الدارالبيضاء الذي يبلغ من العمر 27 سنة، حيث استرسل في حديثه إلينا عن بدايته منذ 3 سنوات حين رفع شعار المثابرة والصبر، وهما أهم ما يجب التحلي به في هذه المهنة التي تحولت إلى مؤسسات فردية عند البعض تتكون من قوافل ''الفورقونات'' التي تجوب العاصمة وضواحيها وصولا إلى بعض الولايات كبجاية، البليدة وتيبازة. ثمار سنوات من العمل للاستثمار.. لا للحرة أكد غالبية من تحدثت إليهم ''المساء'' ممن ينشطون في هذا المجال أن وصولهم إلى امتلاك شاحنة نقل صغيرة ورأس مال للمتاجرة بالسلع جاء بعد جهد جهيد وسنوات من العمل في شتى الميادين مهما كانت شاقة وبسيطة، خاصة وأن السعر المرجعي المعتمد كانطلاقة في التجارة المتنقلة هو في حدود 45 مليون سنتيم حسب ما أوضحه لنا أحد العارفين بخبايا المهنة، حيث يتم تقسيم المبلغ إلى 35 مليون سنتيم لاقتناء وسيلة نقل هي في الغالب شاحنات آسيوية صغيرة الحجم من نوع ''دي أف أم'' أو ''شانا'' أو مركبات أوروبية قديمة ومستعملة، أما مبلغ 10 ملايين سنتيم فيمثل السلعة ومصاريف الصيانة بالإضافة للسجل التجاري الذي يسمح بالعمل في إطار قانوني. كما تعتمد هذه المهنة على التجوال بين مختلف المناطق الحضرية ومحلات البيع والتوزيع في جميع الاتجاهات وصولا إلى أبعد نقطة ممكنة في ظل منافسة شرسة أمام رواج مثل هذا النوع من التجارة التي تعتمد على حنكة التاجر في معرفة سلعة الموسم التي يقبل عليها المستهلك، سواء كانت مواد غذائية أو حتى السلع الورقية المستخدمة في التغليف التي ينتشر استخدامها لدى أصحاب المطاعم والفنادق، وهو أول شرط لابد من توفره في ممارسة المهنة تفاديا لكساد السلع وهو ما يعني الخسارة، وتعد محلات الجملة بكل من السمار، والحراش، والشراة.. مقصد هؤلاء التجار لشراء ما يلزم بمختلف الأسعار قد تصل إلى 200 مليون سنتيم لدى تجار ميسوري الحال، علاوة على أن استمرارية العلاقة بين الطرفين تدفع إلى تسهيل عملية البيع والشراء إلى تقسيط الدفع أو تأجيله لموعد لاحق بحكم الثقة المتبادلة نتيجة التعامل الدائم والمستمر. أصحاب المحلات لا يفرقون بين زبائنهم والتجار!؟ من طرائف هذه المهنة هو اختلاط الأمر على أصحاب محلات التجزئة التي عادة ما يقصدها ممارسو التجارة المتنقلة، وهو ما لمسناه لدى تجوالنا رفقة أحد هؤلاء في بلدية المحمدية شرق العاصمة، حيث أشار صاحب محل بيع المواد الغذائية بالديار الخمس إلى أنه أصبح لا يميز بين الزبون الذي يقصده للشراء والتاجر المتنقل الذي يعرض بضاعته عليه، بل إن الأمر يتعدى إلى أنه في بعض الأوقات يكون هؤلاء الباعة أكثر من الزبائن أنفسهم في إشارة إلى حجم المنافسة وسعيهم إلى كسب أصحاب المحلات كزبائن دائمين لهم. العمل لدى المؤسسات المختصة لكسب الخبرة لا تقتصر هذه المهنة على ميسوري الحال من الشباب الذين تمكنوا من الحصول على رأس المال اللازم، بل يتعداه إلى إمكانية العمل لدى مؤسسات مختصة في التوزيع والتجارة المتنقلة كالمصانع بالنسبة للمشروبات والمواد الغذائية والأولية، إضافة إلى تجار الجملة وأصحاب المستودعات الكبيرة المنتشرة بالعاصمة، حيث تقترح هذه المؤسسات على الشباب إمكانية العمل في هذا المجال مقابل أجور تتراوح ما بين 15 و20 ألف دينار شهريا بشرط الكفاءة في السياقة، حيث تعد خطوة أولى بالنسبة لهؤلاء الشباب للاستقلالية في المهنة مستقبلا من خلال الاستثمار في هذا المجال بعيدا عن أحلام وردية من وراء البحار-.