استطاع أن يشد إليه الأنظار ويستل تصفيقات الأطفال وأهاليهم، ويشبع فضولهم من خلال العرض الذي قدمه على خشبة قاعتي الموقار والأطلس، حيث استمع الأطفال باهتمام للمونولوج الذي قدمه حول اللطف بالحيوان، في حين لم يخفوا دهشتهم وانسجامهم وهم يشاهدون معرض العرائس الذي أطلق عليه عنوان ''ودعة وأخواتها'' في إشارة إلى الصراع بين الخير والشر، وكيفية انتصار الخير دوما رغم العراقيل، وفي لقاء معه أبدع المخرج والمؤلف دامو بونعامة رئيس الجمعية الثقافية الأصنامية للفنون الدرامية لولاية الشلف، الذي اختص 6 سنوات كاملة في هذا المجال، وفي لقاء معه تحدث إلينا عن مسرح العرائس في زمن التكنولوجيا، وعن طموحاته والعراقيل التي تقف في مساره. المساء: في زمن التكنولوجيا وألعاب الفيديو والأنترنت، يطل دامو بمسرح العرائس، كيف تصمد وسط هذه المنافسة الشرسة، خاصة أن أطفال اليوم لا يشبهون من سبقهم؟ دامو بونعامة: كما تعرفون مسرح العرائس له تاريخ عريق، خاصة في ولاية الشلف التي احتضنته منذ سنوات خلت، فأنا شخصيا كنت عضوا في فرقة والدي، وقد كبرت وسط العرائس التي أكن لها حبا عميقا، وأنا شخصيا أعرف جيدا أن المنافسة حاليا شرسة، خاصة أن الطفل أصبح يملك الكثير من وسائل الترفيه كالأقراص المضغوطة التي تحمل الرسوم المتحركة، وألعاب الفيديو المصممة بروعة وغيرها من المغريات، إلا ان الأمر الذي يجعلني شديد التشبث بالعرائس هو الإيمان بأن العمل المتقن الجيد الهادف يعطي ثمارا في النهاية، فرغم أنها تقليدية وكبر عليها جيل غير هذا الجيل، إلا ان حسن اختيار الموضوع والتطرق الى المواضيع الأخلاقية من خلالها هو الأمر الذي يضمن استمراريتها، كما أنها جزء من تقاليدنا. - خلال العرض لاحظنا الانسجام القوي بينك وبين شخصية رضا الذي افتتحت به المونولوج قبل العرض المباشر للعرائس، هل هي طريقتك في العمل؟ * نعم بالفعل، فالأطفال لا يعرفون مسرح العرائس وحتى أعرفهم عليه لابد من انتهاج طريقة معينة تجعل المسافة بيننا قريبة، حتى يسهل عليهم فهم الباقي، حيث أفضل الانطلاق بالمونولوج، فأرتدي بذلتي وقبعتي الخاصة وأقدم موضوعا من المواضيع التي تجذب اهتمام الطفل وتمهد طريق الوصول إليه، حيث أستعمل الكثير من الإشارات التي تجعلهم متواصلين مع الموضوع، كمواء القط، وصوت حفير الخيول في التراب والحجر وخرير المياه وغيرها من الأصوات التي تجعلهم منسجمين مع موضوع القصة، كونهم يعيشون تفاصيلها خلال السرد، وأنا شخصيا أحب كثيرا قصة رضا الطفل المهذب الذي يرفق بالحيوان ويساعد القط الجريح الذي يصبح صديقه، ويدافع عليه كونه يساعده على استعادة محفظته من السارق عندما يغفو للنوم في الحديقة، وهي إشارة إلى أن من يفعل الخير يجد دوما مثله، وفور انتهاء المونولوج وهي الفترة التي تنشأ فيها صداقة بيني وبين الأطفال أعرفهم على العرض الموالي والخاص بمسرح العرائس. - لقد ظهرت الكثير من الشخصيات خلال العرض، هل لديك من يساعدك؟ * نعم، رغم أن النصيب الأكبر من عملية تحريك العرائس يقع على عاتقي، خاصة أن هناك حركات يجب أن أقدمها بنفسي، ويرافقني في العرض كل من أعضاء الفرقة أحلام، وريم، ووليد، وريان وهو أصغر عضو في الفرقة وعمره سبع سنوات. - هل هناك متابعة من طرف الأطفال؟ * الحمد لله هناك متابعة قوية وإقبال كبير للأطفال خاصة في ولاية الشلف، كما سجلنا سعادة وابتهاجا كبيرين على وجوه الأطفال في الولايات التي شاركنا بها، ففي الكثير من الأحيان أتقاطع مع الأطفال في الطريق فأجدهم يرددون بعض العبارات التي قدمتها لهم على المسرح سواء من المونولوج أو من العرض المسرحي، وهذا أمر يوحي بالمتابعة والاهتمام. - هل آنت هاو أم خريج معهد؟ * في مسرح العرائس أنا طفل كبير هاو استطاع أن يتأقلم ويبدع لاحتكامه بها، فقد كنت مساندا لأبي مند نعومة أظفاري، ومازلت أذكر حتى يومنا هذا أول يوم حركت فيه العروس مع والدي، ومع مرور الوقت أصبحت أشبه السمكة التي لا تتخلى عن الماء في حبي للعرائس، بحيث لا أستطيع الخروج من دائرتها، فكل ما أحمله في داخلي هو هوس تقديم عمل جديد يخدم الأطفال، كما أنني طورت مهاراتي وأتيحت لي فرصة تعلم بعض الأشياء خارج الوطن خاصة مسرح ''الميم'' الذي يقدم بالحركات فقط بدون كلام. - كيف تطور مهاراتك الإبداعية خاصة أن مسرح الطفل من أصعب الأعمال؟ * من خلال البحث والقراءة والإبداع المستمرين، لأني أطلع دوما على الجديد الذي قدمه غيري، على غرار قصص الأطفال الشيّقة وكل ما يخص الطفل في الجانب النفسي، بحيث أعرف ميولاته ورغباته وكيفية الوصول إليه أيضا، وقد اطلعت مؤخرا على قصة رائعة لمؤلفة جزائرية أبطالها من البشر والحيوانات فئة خيرة وأخرى شريرة، وتحمل الكثير من القيم الاجتماعية، ستكون موضوع عرضي القادم وقد اتفقت مع المؤلفة، ولا أخفيكم أن هذا الأمر يساعدني كثيرا للاهتمام بالإخراج فقط، خاصة أنني حملت على عاتقي مسؤولية تحضير كل الأشياء بمفردي. - على ذكر القيم، ما هي القيم التي تحملها رسائلك؟ * هناك مجموعة من الرسائل التربوية والأخلاقية التي أود أن يتعلمها الطفل أو يشعر بوجودها أو يتبناها، على غرار حب الوطن، والتعاون، والإخلاص، والوفاء، والتراحم، والقيم الأخلاقية الإسلامية خاصة أننا كمسلمين مسؤولون عن تعليم الصغار تعاليم ديننا الحنيف. - وماذا عن صناعة العرائس؟ * كل العرائس من صنعي، حيث أعكف على تحضيرها حسب موضوع العرض، وأراعي أن تكون العروس طيبة أو شريرة حسب الرسالة التي يحملها العرض، وتختلف المدة التي أحضر فيها العروس بين 10 دقائق أو 7 أيام، حسب الظروف، وما أحتاج إليه من مادة أولية لصنع العروس. - هل تلقون المساعدة؟ * لدينا مساعدات صغيرة من طرف المجلس الولائي للشلف ومديرية الثقافة، إلا أننا نفتقر لفضاء خاص نقدم فيه العروض أو نحضر له، لأنني مازلت أحضر العرائس في غرفتي الخاصة بالبيت وأخزنها هناك للعروض.