مازالت الوثائق السرية المسربة على موقع ويكليكس تحدث هزات ارتدادية على أكثر من صعيد من خلال ردود أفعال أجمعت على استنكار ما تضمنته هذه الوثائق التي فضحت الكثير من الحقائق الخفية في حرب لم تكشف عن كل أسرارها. ولم تقتصر ردود الفعل على الساحة العراقية بل تعدتها إلى دول الجوار الخليجي وحتى بريطانيا وعدد من الدول التي رأت في الحقائق المسربة أمرا لا يمكن السكوت عنه. ووجدت القائمة العراقية التي يتزعمها إياد علاوي الوزير الأول العراقي الأسبق فرصة لتوجيه انتقادات غير مباشرة ضد غريمه السياسي نوري المالكي الذي ذكرت التقارير أنه كان يشرف على ألوية موت طائفية ارتكبت أفظع الجرائم ضد العراقيين السنة. ولأجل ذلك طالبت ''العراقية'' بفتح تحقيق دولي محايد حول مضمون الوثائق التي أكدت على وقوع انتهاكات لحقوق الإنسان في العراق منذ بداية الغزو الأمريكي على هذا البلد سنة 2003 وإلى غاية سنة .2009 وأصرت القائمة على تحقيق دولي بعد أن شككت في نية الحكومة العراقية المنتهية ولايتها بإجراء تحقيق حول مضمون تلك الوثائق. ووجد نوري المالكي نفسه في قلب الإعصار الذي أحدثته تلك التسريبات وأخلطت حساباته السياسية وهو الذي كان يطمح في اعتلاء كرسي الحكومة العراقية من جديد بعد جولة ناجحة إلى دول الجوار الفاعلة في المنطقة ولكن كل شيء سقط في الماء كما يقال كون التسريبات جاءت في وقت لم يكن ينتظره مما أخلط حساباته وجعله في موقع المدافع عن النفس بعد أن كان في موقع قوة أمام منافسه إياد علاوي قبل أن تنقلب أرقام المعادلة السياسية في العراق في غير صالحه. وهو ما استغله هذا الأخير بخلفية سياسية ذات صلة بطموحه لشغل منصب الوزير الأول حيث أكد في ندوة صحفية أمس أن ''ما نشر يدعم مطالب القائمة العراقية بتشكيل حكومة شراكة وطنية وتوزيع الصلاحيات بين القوائم الفائزة في الانتخابات التشريعية''. وتجاوزت تداعيات هذه الأزمة الحدود العراقية باتجاه دول الجوار الخليجي التي تحركت هي الأخرى مطالبة الإدارة الأمريكية القيام بتحقيقات ''جادة وشفافة'' حول احتمال وجود ''جرائم ضد الإنسانية'' اقترفت في العراق. وقال عبد الرحمن بن حمد العطية الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي أن الولاياتالمتحدة من وجهة نظر القانون الدولي مسؤولة على كل التجاوزات والجرائم المقترفة من طرف وحداتها في العراق. ودعا العطية الأممالمتحدة والمحكمة الجنائية الدولية إلى التحقيق في هذه المسألة ومحاسبة مرتكبيها والمتورطين بسفك دماء الأبرياء من الشعب العراقي وذلك حتى تتحقق العدالة بعيدا عن الانحياز أو ازدواجية المعايير. ولم تصمت الحكومة البريطانية من جهتها على سيل المعلومات السرية الفظيعة التي تضمنتها تلك التقارير وأكدت على لسان الناطق باسم الوزير الأول أن المعاملات السيئة ضد المعتقلين ما كانت لتقع في إشارة إلى تأكيدات موقع ويكليكس أن القيادة العسكرية الأمريكية غضت الطرف على تجاوزات خطيرة وعمليات تعذيب طالت عراقيين اعتقلوا في ظل الحكومات العراقية المتعاقبة منذ سنة 2004 وإلى غاية 2009 وأدت الكثير منها إلى موت الكثير من المعتقلين تحت التعذيب وقال إن لندن ستشرع في تحقيقات للتأكد من هذه الحالات. وكانت السلطات البريطانية قد طالبت الإدارة الأمريكية بتقديم توضيحات حول هذه التسريبات التي وصفتها ب''الخطيرة جدا، جدا''. ولكن الناطق الرسمي البريطاني تناسى أن قوات بلاده العاملة في العراق وخاصة في مدينة البصرة والعمارة قامت بتسليم معتقلين عراقيين إلى السلطات العراقية وهي تعلم جيدا أنهم سيتعرضون للتعذيب وحتى القتل لمجرد الاشتباه فيهم أو بسبب انتماءاتهم الطائفية.