فضل الملك محمد السادس في خطاب ألقاه بمناسبة الذكرى الخامسة والثلاثين للمسيرة ''الحمراء'' التي احتل فيها المغرب الأراضي الصحراوية، المناورة والقفز على الحقائق وعدم مواجهة الواقع القائم في الصحراء الغربية بالجرأة اللازمة التي يتعين على مسؤول كل دولة أن يتحلى بها.وبدلا من أن يواجه حقائق الوضع في الصحراء الغربية راح الملك محمد السادس يلفق التهم للجزائر محملا إياها مسؤولية الانسداد في ملف النزاع في الصحراء الغربية وطالب المجموعة الدولية بالتدخل لكشف المعرقلين لمسعاه لإنهاء النزاع. وفضل الملك محمد السادس سياسة الهروب إلى الأمام عشية انطلاق الجولة الثالثة من المفاوضات غير الرسمية بين بلاده وجبهة البوليزاريو بمنتجع غرين تري بمدينة نيويورك وسعى لإفشالها قبل بدئها ضمن خطة اعتادت عليها الأممالمتحدة ولم تعد أمرا غريبا على موفديها إلى المنطقة وقال متذرعا ''إن خصوم وحدتنا الترابية يتهربون من مسؤولياتهم ويعملون على عرقلة ديناميكية مبادرة الحكم الذاتي'' وانه ''يتعين على المجموعة الدولية أن تحدد دون غموض الأطراف التي تعيق مسار المفاوضات''. وهو بذلك يكون قد وقع في فخ اتهاماته للجزائر بعد أن لغم المفاوضات بتحديد إطار إجرائها في حكم ذاتي الذي ولد كأكذوبة وصدقها وحده. ودافع بكثير من المغالطات على هذا الخيار الذي ولد ميتا عندما قال أن الخيارات السابقة تجاوزها الزمن بعد أن استحال تطبيقها مع أن الأممالمتحدة وآخرها اللائحة 1871 أكدت على خيار تقرير المصير كبديل لا يمكن القفز عليه أو تجاهله والذي تصر المغرب على وأده. وإذا سلمنا بالمقاربة التي أكد عليها الملك المغربي فلماذا انتقد المبعوث الأممي إلى الصحراء الغربية كريستوفر روس التعنت المغربي في رسالته إلى أعضاء مجلس الأمن الدولي بعد أن اصطدم بالعراقيل المغربية المقصودة على طريق مسار تسوية آخر قضايا تصفية الاستعمار في إفريقيا؟ ومن تناقض إلى آخر وقع ملك المغرب في زيف الحقائق التي اعتاد عليها المخزن عندما حاول استغلال ورقة حقوق الإنسان في غير سياقها واهما بوجود خروقات لحقوق الإنسان في مخيمات اللاجئين الصحراويين وتناسى الانتهاكات التي يتعرض لها السكان الصحراويون في المدن المحتلة وسط حصار إعلامي وطوق أمني لمنع كل صحافي أو حقوقي من اقتحام جدار ''قتل'' حقوق الإنسان في الصحراء الغربية. ثم أن الملك محمد السادس عندما تحدث عن قبول سكان مخيمات اللاجئين بفكرة الحكم الذاتي فإن السؤال الذي يفرض نفسه: كيف يفسر الملك المغربي ظاهرة فرار أكثر من 20 ألف صحراوي وقبولهم التضحية بحياة الرفاه ورغد العيش في مدينة العيون مفضلين عنها الشقاء في مخيم ''الاستقلال'' الذي تبقى تسميته أصدق رسالة عما يشعر به السكان الصحراويون الذين ملوا الاستيطان والحيف الذي طالهم على مدى قرابة أربعة عقود؟ وهي الحقيقة التي تراها أعين الملك المغربي عندما راح يروج لعودة جماعية للصحراويين من مخيمات اللاجئين ''رغم القهر والحصار'' الذي تفرضه عليهم جبهة البوليزاريو وهي مقاربة إذا سلمنا بها فإن المخيمات وبعملية حسابية تكون قد أفرغت من سكانها وأن قضية الصحراء الغربية على وشك الحل بعد أن يعود الصحراويون إلى ''أحضان وطنهم المغرب'' ولن نكون في حاجة حينها إلى موفد أممي ولا إلى مفاوضات. ولكن المشكلة أن النزاع قائم وأن لاشيء مما قاله الملك المغربي وقع ولا شيء يوحي انه سيقع مادام هناك شعب يكافح من أجل استرجاع حقوقه. فهو من جهة يقول أنهم عادوا بالمئات وفي مقطع آخر من خطابه يؤكد أنه لن يتوانى في تمكينهم من العودة بما يؤكد أن الملك المغربي فقد فعلا بوصلة إدارته للنزاع في الصحراء الغربية وراح يتخبط في مزاعم لا أساس لها من الصحة بتلفيقات حمل مسؤولية فشله فيها إلى الجزائر. ولم يكتف الملك محمد السادس بزيف هذه الحقائق فقط وخاض في ورقة المنظمات الحقوقية التي ''لفت انتباهها'' لائما على الأممالمتحدة عدم اهتمامها بوضعية حقوق الإنسان في مخيمات اللاجئين ولو أنه عاد إلى يومين من قبل لوجد سيلا من الانتقادات على انتهاك عدالته لحق سبعة نشطاء صحراويين زج بهم في معتقل عسكري لأكثر من عام دون محاكمة وفي ظروف لا تطاق ''جريمتهم'' أنهم كسروا الحصار المفروض عليهم بعد أن تجرأوا وقاموا بزيارة إلى مخيمات اللاجئين والتي تعتبر في لغة المخزن خيانة ومساسا بأمن الأمة المغربية.