اختار فنانون فرنسيون في الأشرطة المرسومة، فترة الحقبة الفرنسية الكولونيالية بالجزائر، موضوعا لأعمالهم الفنية التي قدموها في الطبعة الثالثة للمهرجان الدولي للشريط المرسوم بالجزائر، مما أثار سؤال ''لماذا أراد فرنسيون لم يعايشوا فترة الاحتلال هذا الموضوع في شريطهم المرسوم؟''. اختار السينارسيت ألبير دراندوف والرسام فرانكي ألاركون، موضوع ''التجارب النووية الفرنسية في رقان ''في شريط مرسوم بعنوان ''باسم القنبلة''، فتناولا خفايا وأسرار هذه العملية من الجانب الفرنسي، كما قدم السينارسيت لوران قالاندون والرسام دان ألكسندر شريطا مرسوما بعنوان ''تحيا الجزائر''، ويحكي قصة بول، مدرس فرنسي ومكافح سابق ضد النازية، يأتي للجزائر سنة 1954بغرض التدريس فيجد نفسه في خضم حرب الجزائر. 'المساء'' التقت بسيناريست ''باسم القنبلة'' وسينارسيت ''تحيا الجزائر''، وطرحت عليهما عدة أسئلة حول دوافع اختيارهما هذا الموضوع، وكذا عن موقف الرأي العام الفرنسي من حرب الجزائر، علاوة على موقفهما الشخصي من العلاقات الحالية الجزائرية الفرنسية. ألبير دراندوف : لنترك الباحثين في التاريخ يقومون بعملهم بعيدا عن السياسة لماذا اخترت هذا الموضوع؟ البداية كانت مع عملي الصحفي فقد اشتغلت في الصحافة مدة 15سنة وكنت مهتما بالصحة والبيئة، وفي هذا السياق كنت اعتبر الطاقة الذرية موضوعا مشكوكا فيه، أبعد من ذلك كنت أرى أن هذه الطاقة خطيرة، لهذا كتبت العديد من المواضيع حول الحوادث التي تقع في المراكز النووية.. ومنذ سبع إلى ثماني سنوات بدأ المحاربون الفرنسيون القدامى الذين شاركوا في التجارب النووية برقان في الحديث عن هذا الموضوع، وفي هذا الخصوص صدر كتاب لباحث سجلت فيه لأول مرة شهادات هؤلاء المحاربين وكان من الصعب إسماع صوت هؤلاء المحاربين الرأي العام، بحكم أن حصول فرنسا على السلاح النووي كان محل إجماع، حكومة ومعارضة، حتى من العسكريين أنفسهم الذين شاركوا في هذه التجارب النووية والذين دفعوا الثمن غاليا. وفي هذا السياق، استمر صمت المحاربين طويلا ولكنه لم يتواصل إلى الأبد بفعل الأمراض التي أصبحوا يعانون منها بسبب التجارب النووية، فقرر بعضهم إنشاء جمعية للدفاع عن حقوقهم والتعريف بقضيتهم، وهنا أصبحت المعلومات حول التجارب النووية برقان متوفرة من الطرف الفرنسي، لهذا رأيت أنه من الواجب التطرق إلى هذا الموضوع الحساس في الشريط المرسوم هذه المرة بعد أن تخليت عن الصحافة واتجهت نحو هذا الفن، وهنا وجدت نفسي أتحدث عن رقان، وأتوقف لأقول انه ليس لدي علاقة قرابة بعائلة من رقان أو من الجزائر وليس لدي قريب محارب شارك في هذه التجارب النووية، وإنما اختياري لهذا الموضوع راجع إلى أهميته، فكانت الانطلاقة باحتكاكي مع المحاربين فشاهدت صورهم واطلعت على وثائقهم النادرة المتعلقة بالموضوع، كما حضرت اجتماعاتهم وكنت اذهب إلى منازلهم لهذا الغرض، وساعدني حسيّ الصحفي على الحصول على وثائق مختوم عليها بختم ''سرية الدفاع''، حتى أنني اتصلت بمصلحة بمدينة ليون لمراقبة وإحصاء إشكاليات السلاح والحروب في العالم في هذا الشأن، وعكس ما يعتقد حول ندرة المعلومات، لدينا اليوم العديد من عناصر المعلومة يجب فقط أن نكون فضوليين وان نتحلى بالتقنية والإصرار. هذا ما تحصلت عليه من الطرف الفرنسي في قضية التجارب النووية الفرنسية برقان، أما الطرف الجزائري، فما عدا حصولي على شهادة لرئيس جمعية الضحايا بوهران، لا أملك أية معلومة أخرى، فأنا لم أزر رقان، لهذا فمعلوماتي مقتصرة على الجانب الفرنسي لا غير. بالمقابل تطرقت في الشريط إلى كيفية معاملة الفرنسيين لسكان رقان آنذاك. صحيح أن بعض الأرشيف حول الحقبة الاستعمارية الفرنسية في الجزائر موجود أمام من يهمه الأمر، ولكن لا يجب أن نغتر، فالأرشيف يفتح ببطء كبير بفعل ضغط المثقفين والصحفيين والباحثين، كما انه يجد مقاومة من طرف السلطة، أيضا أريد أن أضيف أنه ليس من السهل أن تكشف بعض المواضيع المتعلقة بالجزائر في الأرشيف الفرنسي، فالأزمة عميقة بين الجزائروفرنسا وهي تحمل بصمات تاريخية وفرنسا تجد صعوبات في تحملّ مسؤولياتها في الحرب العالمية الثانية وبالضبط تعاونها مع النازية عندما احتلتها ألمانيا، فما بالنا بحربها مع الجزائر؟، حتى أنه منذ فترة قصيرة بدأنا نقول في فرنسا ''حرب الجزائر'' بعدما كان يطلق عليها تسمية ''أحداث الجزائر''. أريد أيضا أن أتحدث عن اهتمام الرأي العام الفرنسي المحدود، بالقضية الجزائرية، فمن غير الباحثين والصحفيين والمهتمين بالتاريخ، لا يوجد اهتمام الرأي العام بهذا ''الماضي'' الذي لا تهضمه فرنسا، ففرنسا وبالمعنى المجرّد، لم تقبل طردها من الجزائر من طرف أميين يركبون البغال ويحملون بندقيات وهي التي تملك جيشا جرارا، ففي الثقافة الفرنسية من الصعب تقبل انهزام جيشهم القوي من طرف أفراد يعيشون تحت الاحتلال، وهنا أتأسف لعدم مقدرة الجزائريين والفرنسيين على الحوار وتناول كل المواضيع التي تهم تلك المرحلة والخروج بنتيجة، أعتقد أن أحسن طريقة لرأب الصدع هي أن تقول فرنسا للجزائر ''هذا ما فعلت ويجب الآن أن نخطو إلى الأمام''. بالمقابل، هناك باحثون في فرنساوالجزائر يقومون بعمل تاريخي جبار، ولكن مقابل هذه الجهود هناك الرهانات السياسية التي تزعزع العلاقة بين البلدين ولا تساعد في الوصول إلى عمل تاريخي هادئ، كما أن استعمال الماضي سواء في فرنسا أو في الجزائر لأغراض سياسية لا ينبئ بالخير. وفي هذا السياق أدعو إلى تنظيم ملتقى دولي تاريخي بعيدا عن الرهانات السياسية، فلتنرك فرصة العمل للباحثين في التاريخ وللصحفيين من البلدين حتى يتم الكشف عن الحقائق ولنخرج بعمل مشترك حر. لورون قاوندون : الاعتراف بالخطأ... فضيلة كسيناريست الأشرطة المرسومة، اهتممت دوما بتناول مواضيع ''طابو'' أو غير المعروفة منها، فأنا أحب نفض الغبار عن القضايا المجهولة عند عامة الناس، ولهذا اخترت موضوع الحرب الجزائرية في الشريط المرسوم ''تحيا الجزائر'' بجزأيه، فالحقيقة أن الجراح والتوترات التي نجمت عن هذه المرحلة لم تندمل كليّة وأرى أنه من واجب فرنسا أن تقوم بالخطوة الأولى تجاه الجزائر وان يكون هناك حوار هادئ بينهما وهو ما لم يتحقق إلى غاية اللحظة، خاصة مع السياسة الحكومية التي تتبعها فرنسا. بالمقابل، مشاركتي البسيطة في التخفيف من الأزمة بين الجزائروفرنسا من خلال الشريط المرسوم الذي يتناول موضوعا تاريخيا، لا يمس عامة الجمهور الفرنسي ولا يؤثر فيه بشكل فعالّ، ولكن كما يقال ''حتى كاتدرائية كبيرة تحتاج إلى حصى صغيرة لكي تشيّد''. وفي هذا السياق، أقول أن مرحلة احتلال فرنسا للجزائر لا تهم أكثرية الفرنسيين، فهم يعتقدون أن هذه القضية تدخل في نطاق الماضي رغم أن نسيان الماضي ليس بالأمر الحسن، فالنسيان هو أول خطوة في تجسيد سياسة إعادة الأخطاء، وفي هذا السياق أؤكد على أهمية الاعتراف بالأخطاء، وهذا لا يعني انتقاد النفس بشكل مرير ومبالغ فيه، بل يقتضي الاعتراف بالسياسة والأفعال التي صاحبت الحقبة الكولونيالية والتي لا غبار عليها، ومن وجهة نظري يجب أيضا تناول بعض العنف الذي صدر من طرف جبهة التحرير الوطني والتي تحدثت عنها في الجزء الثاني ل''تحيا الجزائر''. هل يجب أن تطلب فرنسا العفو من الجزائر؟ صراحة كلمة العفو تزعجني، فهي تحمل دلالة دينية وأنا لست متديّنا، لكن الاعتراف بنوعية الفعل والسياسة التي مورست في الجزائر في عهد الاحتلال، تقتضي تحقيق حوار بين الطرفين، وفي هذا السياق أعطي مثلا عن الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك الذي قام سنة 2002 بمجهود يحمل الكثير من معنى، حيث اعترف بدور فرنسا في مسألة طرد اليهود، لهذا أرى أن أي بلد يعترف بأخطائه يكون بلدا كبيرا. أما عن مشاريعي المستقبلية حول موضوع الجزائر، فلا توجد حاليا رغم أنني متأكد من عودتي إلى هذا الموضوع في المستقبل، بالمقابل، أنا بصدد كتابة عمل بالمشاركة مع فنان الشريط المرسوم ماكسيميليان لوروا، يتعلق براهننا المحلي والدولي وسيكون حول الشهيد مارسال ريمان وهو من بين 21 شهيدا الذين كانوا ضمن القائمة الحمراء وأعدموا رميا بالرصاص، وقد كان يشارك في هذه الحركة الدولية لمقاومة الأجانب للنازية، وبالتالي أقول انه يجب أن نقاوم الدكتاتورية كيفما كان عرقنا أو ديننا أو أصلنا، وعندما نلاحظ طبيعة سياسة الهجرة التي تتبعها فرنسا، أقول أن هذا الموضوع حساس ويصلح لأن يكون موضوعا للشريط المرسوم.