لم تكن معجزة أن يفوز ملف قطر بتنظيم نهائيات مونديال ,2022 ولم تكن معجزة ايضا ان يحظى ملف هذا البلد الصغير بالأولوية امام عمالقة كالولاياتالمتحدة واستراليا واليابان، كما انها ليست معجزة في ان يسند تنظيم حدث عالمي كهذا لبلد تجلى حضوره مؤثرا في كل المحافل الدولية، وكان صوته جامعا ومسموعا في اكثر القضايا حساسية في العالم، ومن هنا لا غرابة إذا حقق الاشقاء في قطر الإجماع وفازوا بالتنظيم قبل التصويت وكسبوا احترام العالم واللجنة التنفيذية للفيفا قبل ان يعلن السيد جوزيف بلاتير نتيجة التصويت، التي اعطت لقطر 14 صوتا مقابل 8 اصوات فقط للولايات المتحدةالامريكية. وربما كان الكثير من النقاد على قناعة بأن فوز قطر كرسه ملفها الكامل والشامل، وربما كرسته ايضا الطريقة التي توخاها هؤلاء الاشقاء في تقديم هذا الملف الذي كان على درجة من الاحترافية، إذ وفقوا في الطرح وبكل اللغات وابهروا العالم بالعرض التلفزيوني الذي بين حجم هذا البلد الحقيقي رغم صغر رقعته الجغرافية وكثافته السكانية. وربما جاءت نتيجة التصويت ايضا متناغمة مع تساؤلات الشيخة موزة حرم امير دولة قطر، التي تساءلت بدبلوماسية كبيرة ودهاء لا مثيل له، حين قالت في مستهل كلمتها القصيرة والمؤثرة ''أما آن الآوان ان تعطى الفرصة في التنظيم للشرق الأوسط؟''. وعددت الاسباب التي كانت وراء تقديم بلدها لملف ترشيحه والتي كرست المنطق عند التصويت وحررت الفيفا من تبعية الكبار الذين لم يهضموا النتيجة فوصفوا القرار بالخطأ. ان تفوق دولة قطر على الولاياتالمتحدة العملاقة وعلى استراليا التي تعتبر بمثابة قارة خامسة في العالم، يحمل في واقع الامر اكثر من دلالة، فهو يثبت بما لا يدع مجالا للشك بأن قادة هذه الدولة الصغيرة استطاعوا بحنكة دبلوماسيتهم الهادئة والمؤثرة ان يقنعوا العالم بأن دولتهم، قادرة على كسب كل التحديات واحتضان كل العالم، كما ان الإمكانيات المادية لهذا البلد اعطت كل الضمانات بأن دولة قطر ستقطع كل المراحل في ظرف قياسي وستفي بكل التزاماتها وستبني وتشيد الملاعب وستعزز بنيتها التحتية وتوفر كل المتطلبات التي نص عليها دفتر الشروط. كما ان توفر الإرادة لدى قادة هذا البلد الصغير في احتضان هذا الحدث وتقديم كل الضمانات لإنجاحه قبل الأوان، ربما كان ايضا من المؤشرات التي عززت القناعة لدى اعضاء اللجنة التنفيذية للاتحاد الدولي لكرة القدم، بضرورة التخلص من نفوذ الكبار وبالتالي العمل على تكريس المنطق الذي يستند إلى توخي الموضوعية في الاختيار دون النظر الى حجم هذا البلد او ذاك سواء من حيث المساحة الجغرافية او الكثافة السكانية. ان اختيار دولة قطر لنجوم عالميين كبار من امثال زين الدين زيدان ومدرب نادي افسي برشلونة غوارديولا والمغربية نوال المتوكل والهولندي ديبور وغيرهم في الترويج للملف القطري، قد لعب دورا كبيرا في ترجيح كفة هذا البلد، إذ ان شعبية وسمعة هؤلاء النجوم على المستوى العالمي ومساعيهم في الترويج للعبة عالميا من خلال الدورات والمباريات التي يشاركون فيها، قد اعطت الزخم الكبير للملف القطري وسوقت له على كل الأصعدة. ولا شك أنه عندما تتوفر كل هذه المعطيات الموضوعية في ملف كملف قطر الفائز بتنظيم مونديال ,2022 فإن المجال لا يسمح باتخاذ قرار خطأ ولا يسمح بتكريس نفوذ وهيمنة الكبار أو من يعرفون بالدول العظمى، ومن هنا لا يمكن تصنيف فوز قطر بالتنظيم في خانة المعجزات، لأن زمن المعجزات قد ولى، ولكن يمكن اعتبار هذا الفوز تكريسا للجهود التي بذلها هذا البلد العربي الصغير، من اجل تحقيق نهضة شاملة ومقارعة الكبار في شتى المجالات، خاصة وانه سبق لقطر ان نظمت وباقتدار كبير نهائيات كأس آسيا ونظمت إحدى الكؤوس الخليجية، كما سبق لقطر ان نظمت دورات عالمية في رياضة التنس وجاءت الى الدوحة بنجوم عالميين في اللعبة وحظيت مختلف جوائزها باحترام العالم الذي لم يتفاجأ مرة اخرى بهذا الإنجاز وفي هذا التوقيت بالذات. كما يمكن للعرب الذين يفوزون لأول مرة بشرف تنظيم كأس العالم في كرة القدم من خلال دورة قطر,2022 ان يفتخروا بهذا الانجاز، لكن عليهم ان يتجندوا بكل ما يملكون من خبرة في التنظيم لإنجاح الحدث من الآن، خاصة وأن الكل يدرك بأن التحديات كبيرة.