لم يثن السن (80 سنة) السيدة حنيفة مصطفاوي المعروفة باسم فوفو عن ممارسة مهنتها كقابلة بمنطقة وادي الصومام بالقبائل الصغرى، فبعدما كانت تبعث الفرحة في نفوس انهكتها الحرب، تقوم اليوم بنفس المهمة مع أطفال أطلقوا صرختهم الاولى على يدها· وكانت السيدة مصطفاوي تجوب الدروب الوعرة من جبال ومرتفعات وأودية على ظهر البغال وتتنقل من دوار إلى آخر ومن بيت الى بيت لتساعد أمهات على وضعهن في ظروف فقدت أغلبهن فلذات أكبادهن خلال الحرب التحريرية بالولاية التاريخية الثالثة· تحصلت السيد فوفو - التي تعتبر اليوم عميدة القابلات الجزائريات - بعد سنتين من الدراسة بكلية الطب للجزائر العاصمة على شهادة مساعدة وقابلة في نفس الوقت وبدأت الممارسة في 1948 بالمركز الصحي بمسقط رأسها بالقصور (بجاية) وتتذكر السيدة مصطفاوي كل عمليات التوليد التي قامت بها بالمنطقة منذ تلك الفترة حتى وهي حامل متنقلة على ظهر البغال والحمير بالمناطق الصعبة وبسيارة أبيها بالمناطق القريبة· ذاكرة السيدة حنيفة مليئة بالأحداث بعضها سارة وأخرى حزينة خاصة عندما يصعب عليها إنقاذ حياة صبي أو أمه أو تتعرض للتعذيب من طرف المستعمر أو في ظروف تنقلها الصعبة خاصة عندما يتعلق الأمر برداءة الطقس· ومن بين الأحداث التي ألمت السيدة حنيفة تذكر عندما كانت حاملا بابنتها الاولى في جانفي 1955 وحاولت رفقة أبيها اجتياز الواد على ظهر بغل وتحت تهاطل الامطار وأصيبت بصداع برأسها وبعد سفر متعب جدا وجدت أن حالة الحامل تتطلب إجراء عملية قيصرية مما استدعى نقلها الى المستشفى في نفس الظروف· وتروي السيدة فوفو قصة أخرى بأميزور (بجاية) 8 كلم بقرية القصر أين قضت نهارها على ظهر البغل تمر عبر أشجار الزيتون وعند وصولها الى منزل الحامل وتحت ضغط شدة الألم ودون وعي ضربت المريضة حنيفة بركلة ولم تستطع هذه الأخيرة إنقاذ المولود· وقبل أن تأخذ المجاهدة حنيفة قسطا من الراحة يتم استدعاؤها الى قرية اخرى بالمنطقة، أين وجدت حاملا أخرى تستدعي حالتها عملية قيصرية، حيث تم نقلها بسيارة اب حنيفة الى مستشفى بجاية بعد أن قضى الجميع وقتا طويلا أمام جذع شجرة قطع الطرق· وتواصل المجاهدة قصة عملها خلال الثورة وهذه المرة مع مريضة أخرى توفيت بعد العملية القيصرية إثر تلقيها جرعة كبيرة من الماء، وحالة أخرى في جويلية 1957 حيث كانت رفقة أحد الأهالي الذي تباطأ في السير وأخذت السيدة حنيفة زمام الأمور فضربت البغل بشدة لكي ينطلق بسرعة الى القرية المجاورة حيث تمكنت من إنقاذ الحامل الأخرى· ولم يقتصر دور هذه المرأة المجاهدة في التوليد، فحسب، بل تعدى إلى مساعدة المجاهدين حيث كانت تتفقد من حين إلى آخر حالتهم الصحية والإصابات التي تعرضوا لها خلال معاركهم مع جيش الإحتلال·وكانت هذه الأم تقوم بإضافة بعض المستلزمات الطبية التي يحتاجها المجاهدون خفية في الوصفة التي يحضرها الطبيب الفرنسي للحامل بالمركز الصحي ليتم نقلها بعد ذلك الى الجبال· ورغم قيام السيدة فوفو بهذه المهنة الإنسانية النبيلة إلا أنها تعرضت كثيرا للتعذيب والقهر على يد المستعمر الفرنسي· وتعتبر حنيفة أما لأجيال كاملة، حيث يشهد لها أهل منطقتها وكانت آخر عملية وضع قامت بها في ديسمبر 2007 كما أنها من بين القابلات القليلات وعددهن لا يتجاوز آنذاك ال 10 ممن انتزعن بجدارة شهادات من كلية الطب للجزائر العاصمة في وقت الثورة· ولم يؤثر عامل الزمن على حياة حنيفة حيث تنظم عدة نشاطات ومناسبات من بينها معروضات للصور حول الثورة وكذا الاحتفال بالثامن مارس بمنطقتها·(واج)