كان حوالي أربعة ملايين ناخب سوداني جنوبي على موعد أمس مع استفتاء تاريخي لتحديد مستقبل جنوب السودان الذي بدأ يسير فعلا نحو الانفصال التام ووضع حد لعلاقة متوترة مع الشمال قاربت نصف قرن. وأكدت أجواء الفرح التي جرت فيها عمليات التصويت في اليوم الأول من استفتاء سيتواصل طيلة أسبوع كامل والتفاؤل الذي طبع وجوه المشاركين فيه أن السودان سائر لا محالة نحو التقسيم المحتوم. واصطف منذ الساعات الأولى لنهار أمس أمام مكاتب الاستفتاء مئات الناخبين الذين فضلوا عدم تضييع هذا الحدث التاريخي دون المشاركة فيه في شعور أكده سيلفا كير نائب الرئيس السوداني ورئيس جنوب السودان الذي أكد مباشرة بعد تصويته في احد مكاتب الاقتراع بمدينة جوبا عاصمة جنوب البلاد أن الاستفتاء حدث تاريخي طالما انتظره الجنوبيون، قبل أن يضيف أن تفكيره متوجه إلى ''جون غرانغ وزملائه الذين قتلوا معه وأقول لهم جميعا أنكم لم تموتوا هكذا'' في تلميح واضح أن الاستقلال الذي كان يبحث عنه غرنغ قد تحقق في النهاية. وكان هذا الأخير قتل في حادث تحطم طائرة بعد أن قاد تمردا مسلحا ضد الدولة المركزية في الخرطوم منذ سنة 1983 بدعوى محاربة ديكتاتورية النظام السوداني ورفض تطبيق الشريعة الإسلامية على السكان الجنوبيين الذين يدين غالبيتهم العظمى بالدين المسيحي. ولضمان السير الحسن لعملية الاستفتاء أعلنت حالة الاستنفار الأمني القصوى بكافة الولايات السودانية ووضعت قوات الشرطة خططها لتأمين العملية حتى يتمكن الجنوبيون من الإدلاء بأصواتهم بحرية وفي ظل السكينة والطمأنينة. ويراقب عملية الاستفتاء التي تستمر حتى 15 من الشهر الجاري في جميع الولايات شمالا وجنوبا أكثر من 1200 مراقب أجنبي و17 ألف مراقب محلى إلى جانب 89 منظمة من منظمات المجتمع المدني المحلية و44 من المنظمات الأجنبية الإقليمية والدولية بما فيها الأممالمتحدة والاتحاد الإفريقي ومنظمة ''ايغاد'' ومركز كارتر والبرلمان العربي وجامعة الدول العربية التي تشارك بأكبر بعثة مراقبة. وكان الناخبون السودانيون في المهجر أدلوا بأصواتهم وسط نفس الأجواء التفاؤلية بما يوحي أنهم كانوا فعلا ينتظرون مثل هذا الحدث التاريخي للتصويت لصالح الاستقلال. وأكد جورج مايكر بنجامين الناطق باسم اللجنة الانتخابية أن المشاركة كانت قوية منذ الصباح وأن الوضع يسوده هدوء تام في كل مناطق جنوب السودان. وقال أن آلاف الجنوبيين لم يغمض لهم جفن طيلة ليلة السبت إلى الأحد في انتظار افتتاح مكاتب التصويت في جوبا وبتيو ورونبيك اكبر مدينتين في جنوب السودان. ولم يخف هؤلاء في تصريحاتهم أنهم انتظروا مثل هذا اليوم طويلا لاستعادة حريتهم. ولم تخل مناطق شمال البلاد من مظاهر هذا الحدث حيث سجل أكثر من 115 ألف ناخب جنوبي في مكاتب التصويت التي فتحت لهم خصيصا في العاصمة الخرطوم في مشهد مماثل عرفته القاهرة المصرية ونيروبي الكينية والعديد من العواصم الإفريقية التي تعرف تواجدا معتبرا للسكان الجنوبيين. وقال السيناتور الأمريكي جون كيري بمدينة جوبا أمس أن عمليات التصويت تعد بداية لفصل جديد وهام في تاريخ السودان'' وكأن الإدارة الأمريكية كانت تنتظر المناسبة لتكريس نظرتها للمستقبل السياسي لكل منطقة القرن الإفريقي ورغبتها في تقسيم السودان الذي يبقى بمساحته الحالية مصدر قلق بالنسبة للولايات المتحدة. وتبددت المخاوف التي سادت عشية انطلاق الاستفتاء حيث توقع الملاحظون انفجار الوضع بسبب الاشتباكات التي خلفت مصرع ستة جنود جنوبيين في ولاية الوحدة الفاصلة بين الشمال والجنوب. وهي الوحدة التي يمكن أن يعمل الشمال والجنوب على إقامتها بعد الانفصال بعيدا عن أي شحناء بحكم الروابط الاجتماعية والثقافية المتعددة التي تجمع الشعب السوداني بالأمس والشعبين الشمالي والجنوبي الذين قد يسفر عنهما الاستفتاء. وإذا كانت مؤشرات نتيجة الاستفتاء تميل باتجاه تأييد السكان الجنوبيين للانفصال فإن السودانيين مضطرون للانتظار إلى غاية منتصف شهر فيفري القادم لمعرفة النتيجة النهائية لهذا الاستفتاء بسبب تعقيدات عمليات الفرز في أكثر من 165 ألف مكتب تصويت موزعة على عشر ولايات جنوبية ستشكل مستقبلا دولة جنوب السودان في حال صوت سكانه لصاح الانفصال.