يتوجه حوالي أربعة ملايين سوداني من مواطني الجنوب صباح اليوم إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في الاستفتاء الأول من نوعه حول تقرير مصير جنوب السودان،وسط توقعات مرجحة لمآل خيار الانفصال الذي يعتبر آخر حلقة لترسيم مسلسل تقسيم السودان الذي لم يبدأ من اليوم. وينتظر أن تتواصل عمليات الاقتراع لمدة أسبوع بسبب صعوبة المسالك في الولايات العشر التي يتألف منها الجنوب السوداني. ويحتاج الاستفتاء إلى مشاركة 60 % من الناخبين كي يصبح نافذا. وأوضح نائب رئيس مفوضية الاستفتاء تشان ريك مادوت أن حوالي أربعة ملايين شخص سجلوا أنفسهم للتصويت , أكثر من 95% منهم في جنوب السودان، وقد وصلت بطاقات التصويت التي تم طبعها في بريطانيا إلى جميع مراكز الاقتراع ، حيث تم طبع حوالي 7 ملايين بطاقة على الرغم من أن إجمالي من لهم حق التصويت يبلغ حوالي 4 ملايين شخص فقط . ويوجد بالسودان حاليا أكثر من 1200 مراقب أجنبى و17 ألف مراقب محلى من داخل السودان لتقييم عملية الاستفتاء. وقال الناطق باسم المفوضية جورج ماكير أن الاستعدادات لإجراء الاستفتاء باتت مكتملة تماما ، مضيفا أن قوة الأممالمتحدة في السودان قدمت طائرات لنقل بطاقات الاقتراع إلى المناطق النائية. وأشار ماكير إلى أن مراقبين من هيئات الأممالمتحدة والجامعة العربية والاتحاد الإفريقي وهيئات مجتمع مدني سيشاركون في مراقبة الاستفتاء، خصوصا من مركز جيمي كارتر . ويحظى هذا الاستفتاء باهتمام عالمي واسع خصوصا من قبل الولاياتالمتحدة التي أرسلت السناتور جون كيري الذي أعلن من الخرطوم الأربعاء الماضي أن تصريحات الرئيس السوداني »مشجعة جدا«. وقد دعا مجلس الأمن الدولي الجنوبيين إلى الإدلاء بأصواتهم في مناخ من »السلام والهدوء « , مطالبا الخرطوم بالتقيد بالتزاماتها بموجب اتفاق السلام الموقع في نيفاشا عام 2005 . وفي الإطار نفسه رحب مجلس الأمن الدولي بإعلان الرئيس السوداني عمر حسن البشير ورئيس حكومة جنوب السودان سلفاكير أنهما سيعملان على ضمان إجراء استفتاء تقرير مصير الجنوب في »أجواء هادئة«. وكان الرئيس السودانى عمر البشير قام بزيارة تاريخية لجوبا يوم الثلاثاء الماضي، ألقى خلالها خطابا قال فيه »لقد وافقنا على بند تقرير مصير الجنوب عن قناعة تامة وبعد اقتناع بان الوحدة لا يمكن تحقيقها بأي طرق قسرية، ونحن ما زلنا نؤمن بالوحدة ولكن إذا أراد سكان الجنوب الانفصال فمرحبا بذلك«. وكان البشير قال في مقابلة أول أمس مع قناة »الجزيرة« إن شمال السودان وجنوبه يمكن أن يشكلا اتحاداً على نمط الاتحاد الأوربي إذا اختار الجنوبيون الانفصال في الاستفتاء . وأضاف البشير أن الجنوبيين يمكن أيضاً أن يحصلوا على حقوق حرية الحركة والإقامة والعمل والتملك في السودان لكنه أضاف أنهم لا يمكن أن يكونوا مزدوجي الجنسية. ومن جانبه تعهد النائب الأول للرئيس السودانى رئيس حكومة الجنوب سلفاكير ميارديت بضمان إجراء استفتاء حر ونزيه وشفاف ليعبر عن الطموحات الحقيقية لشعب جنوب السودان، وان تحوز نتائجه على الاعتراف المحلى والاقليمى والدولي. ومن جهتها، أشارت صحيفة »الغارديان« البريطانية الصادرة أمس السبت إلى »أن الاستفتاء حول مصير جنوب السودان ستكون له انعكاسات على إفريقيا برمتها، إذ لم تعد التقسيمات الحدودية التي وضعها الاستعمار مقدسة أو خطا احمر، بل يخشى البعض أن يصل الأمر إلى »بلقنة« القارة الافريقية برمتها«. وكان الجنوبيون خرجوا أمس في مسيرات للاحتفال المسبق لانفصالهم عن شمال السودان ، وتقدمت تلك المسيرات فرقة موسيقية ارتدى أفرادها قمصانا كتب عليها »نحن مغادرون« أي عازمون على الانفصال عن السودان. وأكدت مصادر وثيقة الإطلاع انه بات من المرجح اختيار اسم »السودان الجديد« للدولة المقبلة باعتباره كان شعار الحركة الشعبية بقيادة مؤسسها الراحل جون قرنق، فيما يتداول القادة الجنوبيون أسماء أخرى، ك»جمهورية النيل« و»السودان الجنوبي«، و»جنوب السودان«، و»كوش« ،وهو الاسم القديم والتاريخي للسودان، و»أماتونج« وهو أعلى قمة جبلية في جنوب السودان، والذي اصطدمت به طائرة مؤسس مشروع السودان الجديد قرنق عام 2005 بعد توقيعه على اتفاق السلام الشامل. وأشارت الصحيفة إلى أن »الاستفتاء سيكون له في الغالب، تأثير على أجزاء أخرى من إفريقيا وخصوصا غربي القارة حيث تقسم الخطوط بين مسلمين ومسيحيين«. وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن »نيجيريا، البلد الأكبر سكانيا في إفريقيا، تراقب استفتاء السودان عن قرب، وهو البلد الذي يعاني بين فترة وأخرى من صراعات وموجهات دموية بين مسلميه وفي الشمال ومسيحييه في الجنوب الغني بالنفط«. ونسبت الصحيفة إلى ناشط نيجيري قوله "أن ما يحدث في السودان يثير الكثير من المخاوف وعلى الأخص في نيجيريا، التي تعتبر من حيث الجوهر بلدا من اختراع الاستعمار، وقد يكون مصيره مثل مصير السودان إذا اندلعت فيه مطالب التقسيم". يشار إلى أن هذا الاستفتاء يجري بموجب اتفاقية السلام الشامل الموقعة بين الشمال والجنوب في عام 2005 والتي أنهت عقودا من الحرب الأهلية بين الجانبين.