تسارعت الأحداث في مصر بشكل لافت أمس يومين بعد تنحية الرئيس المخلوع حسني مبارك قرر خلالها المجلس الأعلى للقوات المسلحة حل غرفتي البرلمان وتجميد العمل بالدستور وإعلانه عن مرحلة انتقالية لمدة ستة أشهر تمهيدا لإجراء انتخابات عامة ورئاسية جديدة.واتخذ المجلس هذه القرارات في إطار مساعي التهدئة التي أرادها لطمأنة الشعب المصري والتي جاءت تكملة لقرارات قضائية اتخذها ضد مسؤولين سابقين في النظام المنتهي سواء بالمنع من السفر أو وضعهم تحت الإقامة الجبرية وتجميد أصولهم المالية في مختلف البنوك المصرية. وأعلن المجلس الأعلى للقوات المسلحة بقيادة المشير محمد حسين طنطاوي في بيان حمل رقم 5 أن المرحلة الانتقالية ستدوم ستة أشهر يتم خلالها التحضير لتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية شفافة ونزيهة تضمن انتقالا سلميا نحو إقامة حكم مدني. وتمهيدا لذلك قام المجلس بحل غرفتي البرلمان إضافة إلى تجميد العمل بالدستور إلى غاية إعداد مشروع دستور جديد يأخذ بعين الاعتبار التطورات التي صاحبت الانتفاضة الشعبية والمكتسبات التي حققتها وخاصة ما تعلق بالانفتاح على المعارضة وتسهيل شروط المشاركة في أية انتخابات عامة أو رئاسية والتي كانت طيلة 30 عاما حكرا على الحزب الحاكم. وفي هذا السياق، أعلن المجلس عن تشكيل لجنة لتعديل الدستور وتنظيم استفتاء حول التعديلات الجديدة في اقرب الآجال. وتدخل هذه الإجراءات في إطار طمأنة صناع ثورة 25 جانفي للانتقال نحو دولة مدنية ديمقراطية تستجيب لتطلعاتهم ومطالبهم التي ناضلوا من اجلها طيلة 18 يوما. والمؤكد أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي تعهد بتسليم الحكم إلى إدارة مدنية يعي جيدا أن شباب مصر الذي ثار ضد نظام ديكتاتوري إلى غاية إسقاطه لن يرضى إلا بحكومة مدنية تلبي جميع مطالبه. وهو ما جعله يتوجه إلى المتظاهرين ليطلب منهم تقديم عريضة تتضمن مطالبهم باعتبارهم هم من صنعوا هذه الثورة ولا يحق لأي طرف أو جهة الاستثمار أو القفز على مكتسبات هذه الانتفاضة الشعبية. ويطالب المحتجون بتحديد جدول زمني لتلبية مطالبهم والمتضمنة أساسا ضمان مدنية الدولة وتوفير أجواء الحرية والاختلاف والتنوع وأكثر من ذلك القطيعة النهائية مع رموز النظام السابق. فبالنسبة لصناع ثورة 25 جانفي فإن سقوط مبارك ليس معناه نهاية المطاف لأنه إذا لم يتم القضاء على كل الممارسات التي انتهجها النظام السابق من تقويض للحريات وفساد وتضييع للمال العام، فإن المشهد السياسي يمكن أن يتكرر بمجيء نظام شبيه بسابقه بوجوه جديدة فقط.وهي المهمة التي ألقيت على عاتق المشير محمد حسين طنطاوي والمجلس الأعلى للقوات المسلحة في ضمان كيفية الانتقال إلى دولة مدنية وفقا لمبادئ الديمقراطية تستجيب لتطلعات وإرادة الشعب المصري.وكانت حكومة تصريف الأعمال برئاسة اللواء احمد شفيق عقدت اجتماعا هو الأول لها لاستعراض عدد من القضايا الداخلية المهمة على ضوء بيان المجلس الأعلى للقوات المسلحة باستمرار الحكومة الحالية والمحافظين فى تسيير الأعمال مؤقتا لحين تشكيل حكومة جديدة. وأكد شفيق أن ''إعادة الأمن واستئناف الحياة الطبيعية من أهم أولويات الحكومة'' مضيفا أن'' أهم حاجة للمواطن هي الأمن وتأمين الحياة اليومية وتوفير العناصر المطلوبة''. وبالموازاة مع هذه الإجراءات عادت أمس الحياة الطبيعية إلى وسط مدينة القاهرة بعد شلل تام دام 18 يوما بسبب الاحتجاجات والمظاهرات الحاشدة. وقد رحل الجميع من ميدان التحرير باستثناء مجموعات قليلة لا تزال تفترش الأرض ناصبة خياما ترفض الذهاب إلى غاية الاستجابة إلى بقية المطالب ومنها التأكد من مدنية الدولة وإنهاء حالة الطوارئ والإفراج عن كافة الموقوفين خلال المظاهرات. وكانت بعض القوى التي شاركت في تنظيم التظاهرات كشباب ''ثورة الغضب'' و''حركة 6 أبريل'' و''الجمعية الوطنية للتغيير'' وشباب ''حركة الإخوان المسلمين'' قد سحبت عناصرها من ميدان التحرير على أن تعاود تجمعها يوم الجمعة القادم لإحياء ما سموه ''جمعة النصر'' و''تنظيم عزاء في الميدان لتكريم شهداء الثورة''. وشرع المعتصمون منذ أول أمس في إزالة آثار الدمار وتنظيف ميدان التحرير وتجميله تزامنا مع إزالة الجيش للمتاريس والأسلاك الشائكة في الميدان، في حين شوهد صباح أمس الموظفون يتوجهون إلى أماكن عملهم، فيما فتحت المصالح الحكومية والبنوك والمحال التجارية أبوابها. وبالمقابل تظاهر ما لا يقل عن 400 شرطي أمام مقر وزارة الداخلية بالعاصمة القاهرة للمطالبة برفع رواتبهم وإعدام وزير الداخلية السابق حبيب العدلي باعتباره المسؤول عن إعطاء الأوامر لإطلاق النار ضد المتظاهرين. وهو ما أدى إلى حدوث صدامات بينهم وبين قوات الجيش التي أطلقت رصاصات تحذيرية لتفريقهم.