تفتتح الدورة الربيعية للبرلمان يوم الأربعاء القادم في ظرف متميز بمعطيات سياسية واقتصادية عززتها سلسلة التدابير الصادرة من أعلى مستوى للاستجابة لانشغالات المواطن، كما تعد هذه الدورة حاسمة كونها ستكون الدورة ما قبل الأخيرة قبل تنظيم التشريعيات المرتقبة العام القادم، مما يضع الأحزاب السياسية أمام تحدي إثبات الذات والتموقع في الساحة السياسية. وينتظر أن يكون برنامج هذه الدورة ثريا من خلال المناقشة والمصادقة على قوانين هامة كقانون البلدية والولاية، مشروع قانون يتضمن تنظيم مهنة المحاماة، مشروع قانون عضوي يتعلق بتنظيم المحكمة العليا وعملها واختصاصاتها، إلى جانب مشروع قانون المالية التكميلي المرشح لتعزيز الإجراءات الأخيرة والمتخذة من قبل الدولة في شقها الاجتماعي، خاصة ما يتعلق منها بالتشغيل والسكن. وقد تكون هذه الدورة فاصلة لتبني مشروعي قانوني البلدية والولاية اللذين ينتظر أن يفتحا المجال أمام ضمان استقرار الجماعات المحلية وإبعادها عن الخلافات الحزبية وحالات الانسداد التي تعطل شؤون المواطنين، كما أنهما يحملان تصورا جديدا لكيفية تسيير الجماعات المحلية، بما يسمح بالاستجابة للتحديات التي تواجهها الجماعة الإقليمية والتأقلم مع التطورات الاقتصادية والاجتماعية التي تعرفها البلاد والانخراط في مسار الإصلاحات الشاملة التي شرع فيها منذ عشرية من الزمن وتكييف القوانين المسيرة للبلديات والمجلس الشعبي الولائي مع منظومة التشريعات المتعلقة بمكافحة الفساد والرشوة وقوانين المالية وكذا معالجة الاختلالات المسجلة في تطبيق التعددية على مستوى المجالس المنتخبة المحلية وإحداث نقلة في تسيير هذه الجماعات وفق قواعد الحكامة والرشاد وإشراك المواطن في إدارة شؤونه اليومية. أما فيما يتعلق بمشروع قانون المحاماة فإنه يضبط تنظيم مهام وواجبات وحقوق المحامين وموكليهم وكذا شروط الالتحاق بالمهنة وكيفية تنظيمها في إطار اتحاد مهني. ويفتح مشروع القانون الباب أمام إنشاء شركات محاماة جزائرية وإمكانية ممارسة الأجانب لهذا النشاط بالجزائر، وحدد نص التشريع الجديد الإطار العام لممارسة المهنة وأخضع عملية الالتحاق بمدرسة التكوين في المحاماة للمسابقة، كما منع المحامين الذين يشغلون مهام تشريعية وطنية أو على مستوى المجالس المحلية من ممارسة المهنة خلال فترة انتخابهم. ويبقي المشروع الذي جاء في 133 مادة مقابل 120 في النص الحالي المحاماة كمهنة حرة ومستقلة تعمل على حماية وحفظ حقوق الدفاع وتساهم في تحقيق العدالة واحترام مبدأ سيادة القانون وضمان تمثيل الأطراف ومساعدتهم والدفاع عنهم. وتشير المادة الرابعة منه إلى أن المحامي هو من يقوم بتمثيل ''الأطراف ومساعدتهم ويتولى الدفاع عنهم ويقدم لهم كذلك النصائح والاستشارات القانونية''. كما يتركز الاهتمام أيضا على قانون المالية التكميلي كون البت في سلسلة الإجراءات الاجتماعية والاقتصادية التي أقرها مجلس الوزراء الأخير مرهون باعتماده، بل يمكن القول أن التدابير التي أقرتها الاجتماعات الوزارية والتي اتسمت بالطابع الاستعجالي عقب الاحتجاجات الأخيرة التي شهدها عدد من ولايات الوطن تفرض دعم هذه الاجراءات بما يكفل تنفيذها على أرض الواقع. وكان البرلمان قد ناقش خلال دورته الخريفية قانون المالية للسنة الجارية الذي يعد أهم نص تشريعي تم تمريره في هذه الدورة كونه مرتبطا بالميزانية العامة للدولة، وشكلت مناقشته فرصة للنواب لتقديم عدة ملاحظات حول كيفية صرف المال العام، كما عبروا عن دعمهم للأهداف المسطرة فيه والمتمثلة أساسا في مواصلة جهود التنمية وتشجيع الاستثمار والاستمرار في تطبيق سياسة اجتماعية لفائدة شرائح واسعة من المجتمع. ويمكن القول أن هذه الدورة ستكون مناسبة لتحرك الأحزاب السياسية التي ستعمل على مسايرة التطورات الحاصلة عشية التحضير للاستحقاقات القادمة من خلال إبراز حصيلة النشاطات، وما يؤكد هذا التوجه هو اعتزام الكتل البرلمانية على عقد اجتماعات مع أمناء الأحزاب قبل افتتاح الدورة لرسم خريطة التعامل مع مشاريع القوانين، كما تشير مصادر إلى لقاءات قد يعقدها رؤساء أحزاب جبهة التحرير الوطني، التجمع الوطني الديمقراطي وحركة مجتمع السلم مع رؤساء الكتل للأحزاب عشية انطلاق الدورة. وما يميز هذه الدورة كذلك هو تزامنها مع إلغاء قانون حالة الطوارئ الذي كان أيضا مطلبا لنواب المجلس الشعبي الوطني عشية اختتام الدورة الخريفية، حيث تقدموا بلائحة بهذا الخصوص إلى رئيس الجمهورية مشيرين إلى أن تحسن الظروف الأمنية في البلاد لا تستدعي الإبقاء عليها. وعليه ينتظر أن تضفي هذه الدورة حركية على النشاط السياسي والاقتصادي والاجتماعي للبلاد، من منطلق أن الإجراءات الصادرة من أعلى مستوى تركز على ضمان المتابعة وسرعة التنفيذ وهو الرهان الذي يفترض أن يحمله ممثلو الشعب على عاتقهم خلال الجلسات البرلمانية.