ضبقي المشهد الليبي بدخول المواجهات أسبوعها الثالث بين القوات النظامية والمتظاهرين على حاله في وضعية لا غالب فيها ولا مغلوب وفي معادلة أرقامها مازالت غامضة بسبب الإغلاق الإعلامي المفروض على ليبيا، فبينما بقي المحتجون والقوات النظامية يديرون معركتهم في إطار لعبة الكر والفر لدحر الطرف الآخر أو بسط السيطرة على معاقله، بدأت المجموعة الدولية في تحركات مكثفة من أجل حسم الوضع الذي أصبح ينذر بكارثة إنسانية حقيقية. وأجمعت مختلف العواصمالغربية أن المسار السياسي للرئيس الليبي انتهى وهو ما جعلها تبحث عن مخرج من مأزق لم تكن تتوقعه واخلط حساباتها على الأقل الطاقوية منها على اعتبار أن ليبيا اكبر ممون للسوق الأمريكية والأوروبية بالبترول والغاز. وكثف قادة هذه الدول من اتصالاتهم في الساعات الأخيرة للإسراع بحسم الوضع فبينما أجرى الرئيس الأمريكي اتصالات مع الأمين العام الاممي والوزير الأول الكندي تباحث الرئيس الفرنسي مع الوزير الأول البريطاني من أجل التوصل إلى صيغة توافقية للتعجيل برحيل الرئيس الليبي. وإذا كانت قناعة هؤلاء استقرت على ضرورة مغادرته السلطة في طرابلس مازال العقيد معمر القذافي يصر على انه باق وان شعبه مازال يحبه ضمن قناعته التي أكد عليها في سلسلة أحاديث تلفزيونية أجراها مع عدة قنوات أمريكية وبريطانية وصربية. وإذا كانت مختلف العواصمالغربية قد التزمت مواقف متذبذبة وغير واضحة في بداية الأزمة السياسية في ليبيا بسبب عدم تيقنها من قوة المتظاهرين على زحزحة الرئيس الليبي الذي بقي 42 عاما على كرسي الرئاسة غيرت أخيرا في مواقفها بعد أن تأكدت أن المتظاهرين ما انفكوا يوسعون من نطاق سيطرتهم على مختلف المدن الليبية شرقا وغربا وجنوبا ولم يبق لهم سوى العاصمة طرابلس كآخر قلاع الرئيس القذافي. وكانت السلطات الروسية آخر من نفض يديه من هذا الأخير بعد أن تيقنت انه لم يعد له أي مستقبل سياسي حتى إن تمكن من استعادة مكانته وبسط سيطرته على الوضع. وهو ماجعل كل المواقف الدولية تركز على مرحلة ما بعد القذافي بما يوحي أن نهايته أصبحت وشيكة وهو ما يفسر تركيز الدول الغربية على طبيعة إحكام قبضتها عليه بفرض منطقة حظر جوي تضاف إلى سلسلة العقوبات التي فرضتها على أرصدة القذافي والمقربين منه ضمن خطة لخنق نظامه الذي يكاد يفقد كل شرعية دولية له بعد كل ما حدث وهو ما اقتنعت به موسكو وكانت آخر الدول الكبرى التي سحبت ثقتها من حليف استراتيجي في منطقة المتوسط وطالبته بالرحيل.وهي القناعة التي ما انفك يدافع عنها الأمين العام الاممي بان كي مون والرئيس الأمريكي بعد لقاء جمعهما أمس بالبيت الأبيض، حيث أكدا أن النظام الليبي فقد كل شرعية له بعد أن أعلن الحرب على شعبه وطالباه بسماع صوت شعبه الذي يدعوه إلى التنحي. نداءات لم تلق آذانا صاغية من الرئيس الليبي الذي أكد أنه ''لن يغادر ليبيا أبدا'' رافضا في نفس الوقت العقوبات التي فرضتها الأممالمتحدة على بلاده ووصفها ب''غير الشرعية''. وربما كان رده صريحا باتجاه العرض الأمريكي والايطالي اللذان منحاه مخرجا ''مشرفا'' بتمكينه من حق اللجوء إلى أية وجهة يريدها.وقد يكون العرض الأمريكي يهدف إلى تجنيب القوات الأمريكية القيام بتدخل عسكري في ليبيا بمبرر حماية سكانها بعد أن تحركت قوات بحرية أمريكية باتجاه عرض السواحل الليبية في سياق الخيارات التي صاغها البنتاغون قصد التدخل لحسم أمر القذافي بدعوى رفضه مغادرة منصبه ''حقنا للدماء''. وهو الخيار الذي رفضته المعارضة الليبية التي شرعت في حرب دون هوادة ضد قوات العقيد الليبي الذي لم يعد يلقى الإجماع الذي كان يتمتع به إلى غاية يوم 17 فيفري الماضي وأكدت أن ما يحدث في ليبيا شأن داخلي وعلى المجموعة الدولية مساعدتها فقط في حسم المعركة بالطرق السلمية وتسريع رحيل القذافي ونظامه.