بحدة المعركة الميدانية نفسها فإن المعركة السياسية بين السلطات الليبية والمتمردين تبدو أكثر ضراوة ضمن حرب دبلوماسية يحاول خلالها المتمردون نزع كل شرعية عن السلطة الليبية الحالية بقيادة العقيد معمر القذافي. وهو ما دفع بأعضاء المجلس الثوري الانتقالي إلى دعوة المجموعة الدولية إلى الاعتراف به كهيئة وحيدة شرعية ليبيا في المحافل الدولية بدلا عن السلطات الحالية. ويبدو أن عقد هذا المجلس لأول اجتماع له تحت قيادة وزير العدل المستقيل مصطفى عبد الجليل بمثابة القطرة التي أفاضت كأس الغيض عند الرئيس معمر القذافي الذي أعطى أوامره بقصف المدن التي يسيطر عليها الثوار بالمدفعية الثقيلة والطائرات المقنبلة. وذهب المجلس الثوري الانتقالي إلى أبعد من ذلك عندما وزع حقائب المسؤولية بين أعضائه، حيث أوكلت مهمة وزارة الشؤون العسكرية لعمر الحريري ووزارة الخارجية للسفير الليبي المستقيل من منصبه في نيودلهي الهندية، بينما كلف جبريل إبراهيم الورفللي على رأس الهيئة التنفيذية لتسيير الأزمة وتمثيل ليبيا في الخارج. ودخلت مختلف العواصمالغربية في سباق حقيقي للاعتراف بهذا المجلس وكانت باريس السباقة إلى الاعتراف به وأكدت استعدادها على مساعدته وذلك تزامنا مع تصريحات وزير الخارجية الفرنسي الجديد ألان جوبي الذي أكد انطلاقا من العاصمة المصرية أن أوروبا وفرنسا لا يمكنهما احتمال ما اسماه ب''الجنون الإجرامي'' للعقيد القذافي. وفضلت الحكومة البريطانية إيفاد وفد دبلوماسي إلى مدينة بنغازي المعقل الرئيسي للمعارضة الليبية لإجراء مشاورات مع مسؤولي المجلس ربما من أجل معرفة قناعاته والسياسة التي يريد انتهاجها مستقبلا في حال حسم الأمور العسكرية لصالحه. وهو الاعتراف الذي لم يهضمه العقيد الليبي الذي رفع مرة أخرى ورقة التهديد بخطر بن لادن في ليبيا في حال غادر السلطة في طرابلس في نفس الوقت الذي لوح فيها بسيول من الماهاجرين الأفارقة الذين سيحتلون أوروبا انطلاقا من الأراضي الليبية. وقال في حديث حمل رسائل تهديد واضحة باتجاه العواصمالغربية أن ''بن لادن سيجعل من منطقة شمال افريقيا معقلا رئيسيا له وقبالة أبوابكم''. ولكن العقيد الليبي في نفس الوقت الذي لوح فيه بالتهديد الإرهابي فإنه أبدى ليونة أخرى في موقفه عندما أعلن استعداده لاستقبال لجنة تحقيق عن الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة في بلاده لمعرفة حقيقة ما يجري. ورغم أن الدول الغربية تحاول التكيف مع التطورات المتسارعة في ليبيا بعد أيام من الترقب فإنها تبدو في صراع فيما بينها في إطار عملية تموقع استراتيجية في إحدى اكبر الدول المنتجة للنفط في العالم والتي تضمن لها أمنها الطاقوي. وهو ما يفسر اللهجة التي استعملها وزير الداخلية الايطالي روبيرتو ماروني باتجاه الولاياتالمتحدة التي طالبها بعدم التدخل في الشؤون الداخلية الليبية وترك الأوروبيين يتصرفون لوحدهم مع هذه التطورات. وقال باتجاه الإدارة الأمريكية التي سارعت إلى اتخاذ موقف رافض لبقاء القذافي ''اننا هنا وأوروبا هنا ومن الأفضل أن نتحكم في الوضع بأنفسنا'' في اشارة إلى مخاوف أوروبية متزايدة من تدخل امريكي عسكري في ليبيا وما له من تبعات كبيرة على استقرار المنطقة ومخاوف من احتمالات متزايدة لتحولها إلى أفغانستان أخرى على بعد مئات الأميال فقط من البوابة الجنوبية لأوروبا.