للمخرج السينمائي دحمان اوزيد أيضا ساحته التي حرر منها شبابا كانوا على وشك الهلاك، فأحدث ثورة على مقاسه ضد الظلم الذي سلّط من طرف شرذمة من أثرياء تحصلوا على ثروتهم بطرق غير مشروعة على حي بكامل سكانه، وهذا في فيلمه ''الساحة'' الذي أطل به أول أمس على الجمهور في أكثر من ولاية ويتواصل عرضه لأسبوعين. وجاء فيلم ''الساحة'' الذي عرض أول أمس بقاعة الموقار وبقاعات السينما (53ملم) على مستوى التراب الوطني، في حلّة كوميدية موسيقية وهي الأولى من نوعها بالجزائر، وفي هذا السياق، قال المخرج أوزيد للصحافة والجمهور أنه أراد اقتحام عالم الكوميديا الموسيقية بغية تجريب هذا النوع من الأفلام الذي لم يسبق أن تناوله مخرج جزائري، مضيفا أن هذا الفيلم الذي تم عرضه سابقا على الصحافة وبالضبط في شهر أوت من السنة الفارطة، تم تعديل بعض أجزائه وتقليص زمن عرضه بحوالي ثلاثين دقيقة، بالمقابل سيتم تحويل ''الساحة'' إلى مسلسل تلفزيوني من 18حلقة (35دقيقة لكل حلقة) لصالح التلفزيون الجزائري. من جهته، تحدث كاتب العمل الطاهر بوكلة المعروف باسم سليم عيسى، عن خطورة ما يعانيه الشباب الجزائري الذي يشتهي غالبيته الهجرة إلى الخارج رغم إدراكه المسبق بكل الصعوبات التي سيواجهها هناك، هذا في حال لم يمت غرقا قبل أن يصل إلى دار ''الخلاص'' المزعوم، مضيفا أنه يحب إيجاد حلول جذرية لهموم هذه الفئة المهمة من المجتمع وإلا زادت الأمور سوءا. أما منتج العمل، بلقاسم حجاج (شركة ماشاهو للانتاج) فقد حث على أهمية عودة تقليد الذهاب إلى قاعات السينما في الجزائر، معتبرا أننا بحاجة إلى التنقل لمشاهدة الأفلام في محيطها أي في قاعات السينما وكذا مناقشة وتبادل الآراء حولها وقد يؤدي هذا الفعل-حسبه-إلى إنشاء نواد سينمائية في كل حيّ وهو ما يعتبره انتصارا للفن السابع في الجزائر. ويحكي الفيلم في ساعتين من الزمن، قصة شباب(ستة شباب وخمس شابات)، من نفس الحيّ يعانون من مشاكل كثيرة تأتي في مقدمتها البطالة والفراغ ونقص المرافق التثقيفية والترفيهية فيتخذون من ساحة حيهم، مكانا يلجؤون إليه، لتمضية الوقت وانتظار يوم أفضل، إلا أن العالم الذي نعيشه مليء بمن يحاولون استغلال كل شيء بما في ذلك ساحة حيّ لأغراض شخصية، فيقوم ثري من فئة الأثرياء الجدد بمحاولة بناء مركز تجاري في الحي، ويكاد يصل إلى مبتغاه في ظل حيرة وتردد السكان في كيفية استغلال هذا الفضاء فلمن تكون الغلبة يا ترى؟ بوعلام، ياسين حشيشة، موحة، مناد وكاوة، أسماء لشباب جمعهم التيه والحيرة من مستقبل مجهول، تخرج بعضهم من الجامعات فكان نصيب اثنين منهما حراسة البلدية وآخر بيع ''الحشائش والعقاقير في دكان والده وثالث ضائع بين أحلامه في تشكيل فرقة كوميدية موسيقية، أما كاوة فهو لا ينفك يتحدث عن فريقه المشهور ''مولودية الجزائر''، فهو يعيش بنبض الفريق يفرح حين ينتصر ويغضب حين يخسر مقابلاته. ويجد الشباب في الساحة بعض التنفيس، إلا أن أمورهم تتغير حينما يفقد اثنين منهما عمليهما في حراسة البلدية الذي يوكل لشخصين متقدمين في السن، لتتسارع الأحداث ويجد الشباب أنفسهم وجها لوجه مع خمس شابات، عفاف، كنزة، سعاد، سارة، زاهو، أسماء، وهن شابات من الحي قررن تقاسم الساحة مؤكدات أن لهن أيضا حق التنفيس عن أنفسهن وحتى الاستغلال المفيد لهذا الفضاء من خلال تحويله إلى مساحة خضراء، فهل سيتحقق لهن مرادهن؟ وتتشابك العلاقات بين الشباب والشابات الذين يعبرون عن مشاغلهم مرة بالحديث ومرة بالغناء، علاوة على الرقصات التي تنسيهم روتين يومياتهم المتشابهة، وفي هذا السياق، وعبر هذه المشاهد الغنائية الراقصة، يمر شريط مصورّ ومتواصل يبرز كل المشاكل والآفات التي يعيشها الشباب، ابعد من ذلك، فقد شكّل الرقص والغناء مرآة تعكس كل هموم الفتيان الذين يملكون نظرة ناقدة وحادة لما يجري حولهم. فجاءت أغنية ''نورمال'' مثلا عاكسة رؤية الكثير من الجزائريين للأمور غير العادية على أنها طبيعية، أي أنهم أصبحوا يتقبلون ما هو غير مقبول أصلا ويرددون دائما كلمة ''نورمال'' التي تعني بكل بساطة تخليهم عن واجبهم في تغيير الأمور غير المقبولة، أغنية أخرى تتحدث هذه المرة عن نقص الفضاءات التي يلجأ إليها الشباب خاصة العشاق منهم، وثالثة عمن اختار الهجرة وكذا عمن فضّل الاستقرار في البلد ورابعة بعنوان: ''حشيشة طالبة حب'' عن صعوبة عيش قصة حب والزواج في ظل أزمة السكن وغيرها. وحمل هذا الفيلم مجهرا يصطاد تناقضات المجتمع، حتى الصغيرة منها التي لا ترى بالعين المجردة والتي اعتدنا عليها حتى أصبحت منا وفينا، ومنها تأرجح الشباب بين عيشهم لقصص حبهم وبين المحظور في الدين، وكذا تهكّم الكبار على طريقة عيش الصغار رغم أنهم أيضا تعرضوا لنفس السخرية من أوليائهم عندما كانوا شبابا، بالإضافة إلى محاولة شباب الزواج من الأجنبيات عن طريق الانترنت للعيش في الخارج، بالمقابل طرح قدوم الجميلة نعيمة التي ستشارك في مسابقة اختيار أجمل امرأة في العالم العديد من التساؤلات ما بين معارض على هذه المشاركة من امرأة مسلمة وما بين مؤيد لإبراز الجمال الجزائري في العالم. وفي نفس السياق، تطرق المخرج إلى قضايا أخرى وفي مقدمتها، أزمة السكن والبطالة والمخدرات، وحتى السكن الفردي للنساء وما قد يثيره من رفض للبعض، وقضية النقاب ومسائل أخرى، إلى حين يأتي يوم يقرر فيه رئيس البلدية تنظيم اجتماع مع أهالي الحي لتقرير مصير الساحة، ويحدث ذلك جلبة كبيرة بين السكان... وهنا تتدخل شابة (الممثلة لامية بوسكين) وتطلب تنظيم ورشات تكوينية تعلم مبادئ الحوار والديمقراطية ويتم ذلك بين سكان الحي، إلا أن هذا الأمر لا يجلب النتائج المرّجوة خاصة بعد أن تضاءل الأمل عند الشباب في تشكيل فرقة كوميدية موسيقية رغم لجوئهم إلى السفارات التي تدعي مساعدة الفنانين، فيتخذون قرارا خطيرا ألا وهو ...''الهجرة غير الشرعية'' بعد أن أوهموا الجميع بحصولهم على فيزا من جمعية مرسيلية تعنى بالتقارب الثقافي الجزائري-الفرنسي. وهكذا ذهب الشباب إلى البحر تاركين وراءهم عائلاتهم وحبيباتهم لكن هيهات أن ينالوا مبتغاهم، فقبل أن يبحروا فاجأهم الحارسان المكلفان بحراسة البلدية وقالا لهم ''البحر من ورائكم والهموم من أمامكم وبين هذا وذاك، الجزائر هنا لا تتركوها'' وفعلا يعود الشباب إلى الساحة التي كادت تتحول إلى ''سوبر ماركت'' رغم معارضة الشابات، وينتصر الشباب نساء ورجالا على هذا الثري المزعوم الذي أراد السطو على هذا الفضاء، فتعود الساحة لهم وترتدي حلة خضراء رمز للجزائر وللحياة معا. للإشارة اعتمد المخرج على لوحات راقصة غنائية لتوصيل الرسائل بصفة أدق وأجمل فجاءت هذه اللوحات المليئة بالألوان متنوعة (جزائري، غربي، مشرقي، هندي)، كما قرّب المخرج الكاميرا من وجوه الممثلين، فظهرت تقاسيم وجوههم بطريقة واضحة، بالمقابل، قدم معظم الممثلين، الأغاني بأصواتهم الحقيقية، أما فيما يخص السيناريو فقد جاء النص مليئا بالفكاهة وبعيدا عن الدروس الأخلاقية والنصائح المباشرة، وفي هذا السياق، قال احد ممثلي الفيلم حينما أراد الانتحار: ''الانتحار ليس حراما بما أنني لست حيا في هذا البلد''. للإشارة تحصل فيلم الساحة على العديد من الجوائز وهي جائزة الأممالمتحدة لمكافحة الفقر وجائزة أحسن ملصقة لفيلم في الفيسبوك، جائزة أحسن موسيقى بمونبلييه، وجائزة أحسن ممثل وممثلة بمهرجان الفيلم العربي بوهران، ومثل فيه كل من: أمين بومدين، كريم زنيمي، غزال لعلو، حبيب عيشوش، عمار نميش، ايمان مدور، لامية بوسكين، ايمان نوال، مريم عجال، ناديا قادري، زبير يحياوي، منال عبدون، علي حبارة، سالم ايسالاس، نجية لعراف، احمد رزاق وسعد الدين.