أيْ علي يونسي انتظرنا إطلالتك علينا ككل يوم... تطرق فيه الباب وتلقي السلام... لكنها المرة الأولى التي يعود فيها كل الزملاء إلا عليا. ألقينا نظرنا نحو الباب، حسبنا أن نسمع صوتك أو نستشعر وجودك لكن هيهات أن تأتي يا علي... عمّ الهدوء وخيم الصمت، وتبادل الزملاء والزميلات نظرات الحزن والأسى وكيف لا.. والمفقود أخ عزيز وصديق صادق وزميل غال، تأكد المصاب الذي حلّ وغلبت وطأة الصدمة زملاءك، فهبوا يبحثون عن صورتك بين عشرات الصور في جهاز الحاسوب وكأنهم يبحثون عن جسدك الطاهر بين ركام رماد لاحتضانه، وانهمكوا يقرأون تفاصيل وجهك الوضاء على الصورة جزءا جزءا، وبقينا نحدق طويلا وكأننا نريد اشباع لهفتنا وشوقنا إليك ونشتمّ عطر أخلاقك النبيلة بالنظر الى صورة زينتها ابتسامتك -التي بحّس المصور المحترف أدرك صدقها مصور ''المساء'' منذ وقت فخلدها بعدسة آلته المصورة لتبقى عالقة بأذهاننا جميعا تذكرنا بصاحب المبادىء التي لا تزول. أعلي.. إني لأتذكر أحاديثنا عن الوطن وهموم الوطن ومهنة المتاعب والكتابة وكيف كنت أستمع إلى تحاليلك باهتمام وانبهار وأتذكر رحابة صدرك ونحن نتحاور في مسائل تضيق صدور بعض الناس عند الخوض فيها. كم كنت تشعرني بتواضعك وبساطتك عندما أقول لك إنني لا أتعب ولا أكلّ ولا أملّ قراءة وتصحيح مواضيعك التي تحمل بين طياتها البساطة ودقة المعنى ووضوح الفكرة والايجاز، فتجيبني مبتسما بروح جميلة خفيفة متشبعة بالاحترام والتقدير، إنه ''السهل الممتنع'' فأقول أجل. كم كنتُ ياعليلو أشعر بإخلاص الاخ الحريص على سلامة أخته عندما نفترق مساء عند الانتهاء من العمل في أيام الشتاء المظلمة فتوصيني بالاعتناء بنفسي في طريقي إلى المنزل. إن غيابك ظلمة ووحشة لكنها يا علي مشيئة الله التي لا ترد، لقد نادتك مدينة القصر لتكون منعرجك الأخير نحو قصر من الجنة والخلود عند الله القديرإن شاء الله، فكانت حياتك حُبلى بالعمل والتفاني وكانت مماتك شهادة في سبيل القلم... فارقتنا ورحلت في شهر مارس وهل يرحل غير الشهداء في شهر الشهداء؟!