يشكّل فيلم ''اسمي خان'' نقطة تحوّل في مسيرة السينما الهندية التي اتّسمت بالابتذال والتكرار، سواء على مستوى التلقي أو الإنتاج، ليس فقط بمعالجته لموضوع الإرهاب بصريا من خلال قصة إنسانية مؤثرة، بل أيضا بالتدشين لسينما هندية جديدة بعيدا عن نمطية الغناء والرقص والانتقام، فهو يرسم خطا جديدا لها، إذ أنّ الفيلم سلّط على واقع مرير عاشته بعض الأقليات في الولاياتالمتحدةالأمريكية إبان أحداث الثلاثاء الأسود. لقد حقّق كوران جوهر مخرج فيلم ''اسمي خان'' معادلة صعبة، حين تمكّن من تحقيق أرباح تجارية كبيرة دون وقوعه في أسر المحمول التجاري، بل كانت القيمة الجمالية غاية ووسيلة في الآن نفسه، وهذا التوجه ليس غريبا عن هذا المخرج، فرؤيته الجمالية كانت حاضرة في جل أعماله ضمن مساق تطوري بلغ ذروته في فيلم ''اسمي خان''. تدور أحداث الفيلم حول شخصية ''ريزوان خان'' الذي يعاني من مرض متلازمة الاسبرغر (هذه المتلازمة تؤثر على الشخصية من حيث البراعة والافتقار إلى مهارات الاتصال السليم مع الأشخاص الذين يعانون منها)، وبعد وفاة أمه يلتحق بأخيه المقيم في أمريكا فيتعرّف على امرأة هندوسية مطلقة تدعى ''منديرا'' ويتزوّجان بعد قصة حبّ قصيرة، ولكن أحداث الحادي عشر من سبتمبر حملت له، كما لغيره من المسلمين في أمريكا، نظرة دونية تجلّت في تحميلهم ذنب سقوط البرجين، فتصاعدت وتيرة العنف ضد المسلمين، حيث أصبحت صفة المسلم أو شكله سببا كافيا لاضطهاده. ولعلّ نقطة التحوّل في هذا الفيلم، هي عندما تطلب الزوجة، ''مانديرا'' من خان مغادرة المنزل، فيسألها بكلّ براءة: ''متى يمكنني أن أعود؟''، لتفاجئه هي بالسؤال، وتستهزئ منه بالقول: أنّ بإمكانه العودة عندما يخبر الجميع، بمن فيهم الرئيس الأمريكي، بأنّ ''اسمه خان، وأنه ليس إرهابيا''، ففهم هذا الكلام حرفيا وبدأت رحلة البحث عن الرئيس الأمريكي... وإذا كان حدث قتل ابن مانديرا هو حبكة الفيلم الكبرى وذروة الصراع، فإنّ رحلة روزوان خان تحمل العديد من الدلالات أولاها بالذكر استناد البطل إلى تعاليم الإسلام الحقيقية، رغم مرضه النفسي ومساهمته في تغيّر النظرة إلى الإسلام والمسلمين. لقد اعتمد المخرج على تقنية الفلاش باك، فمن خلالها سنتعرّف على طفولة البطل وعلاقته بأمّه وأخيه، فكانت الأمّ خير معلّم لابنها، حينما ستلقّنه درسا بسيطا لكنّه سينير كلّ حياته، فقد أخبرته بأنّ في العالم فقط أناسا أخيارا وأناسا أشرارا، مهما اختلفت معتقداتهم الدينية، كما ستتمحور رحلة البطل على ذلك الشعار الذي رفعه في وجه شرطة مطار سان فرانسيسكو ''اسمي خان وأنا لست إرهابيا'' حينما قبضوا عليهم بعد أن شكوا في أمره بسبب سلوكه الغريب، وقاموا بتفتيشه بطريقة لم تحترم حتى مرضه. وهذه الصورة هي امتداد لما يتعرّض له المسلمون وغيرهم من الأقليات في أمريكا وغيرها من البلدان الغربية، لكن رحلة ''رزوان خان'' كانت كفيلة بتغيّر نظرة العالم إلى الإسلام والمسلمين، لأنّه كان يعامل الناس كالشجر يرمونه بالحجر فيرميهم بأطيب الثمر. وكما كان الفيلم رسالة إلى الغرب من خلال تصحيح صورة الإسلام، فهو أيضا رسالة موجّهة إلى المسلمين من أجل إعادة اكتشاف ذواتهم، وإعادة إحياء صلتهم بعمق الإسلام، ومن جهة أخرى، فهو دعوة لهم من أجل الحفاظ على هذا الدين ونشره بالطريقة الأفضل، وعدم التأثّر بالمضايقات التي قد تحصل للمسلم بسبب ديانته، بل مقابلة ذلك بمعاملات تعكس جوهر الإسلام وروحه وليس بسلوكات عدوانية. وعلى جانب آخر، فالفيلم في عمقه هو انتقاد للسياسة الأمريكية الداخلية متمثلة في التماطل في مساعدة ولاية جيورجيا والتعامل مع السكان انطلاقا من عرقهم، كما أنّه تأكيد على أنّ التطرّف ليس حكرا على ديانة معيّنة، فقاتلو ابن مانديرا هم أمريكيون، مثلما كان الدكتور فيصل مسلما متطرّفا حاول دفع المسلمين للانتقام باسم الإسلام، وهذا يؤكّد دعوة الفيلم إلى نبذ العنف عند كلّ الديانات، كما أنّ وجود الإسلام لم يكن بذلك الحضور المنغلق الرافض للآخر، بل على العكس ظهر الإسلام منفتحا على غيره من الديانات كالهندوسية والمسيحية، فعبارات ''السلام عليكم، إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، وإن شاء الله''، كانت حاضرة طوال الفيلم، إلى جانب حضور معالم الحضارة الإسلامية كالمسجد الإسلامي والموسيقى الروحية، وأكثر من ذلك، عبر الفيلم عن جوهر الإسلام، وهو التسامح والتعايش من خلال زواج مسلم وهندوسية. وقد حاول المخرج كذلك أن يمرّ على مجموعة من القضايا الإنسانية بطريقة مقصودة، فعلاقة الحب بين مانديرا المرأة الجميلة وبين رزوان خان المعاق، هي تجاوز للمظاهر واحتفاء بالجوهر في زمن طغت فيه المادية، وأصبحت هي المحدد الأساس لقيمة الإنسان. لقد اجتمعت لهذا العمل عوامل للنجاح، من خلال إخراج جيد متمثّل في النمط الجمالي الذي اعتمده كوران جوهر، سواء اختياره للموضوع والتحكّم فيه فنيا من خلال تكسير بنية السرد، وكذلك اختياره لطريقة حكائية من خلال راوٍ مشارك في الأحداث وهي اختيارات أثمرت متعة فنية عالية، وبالإضافة إلى دور المخرج، يظهر تماسك السيناريو وتعالقه مع صورة الفيلم وهو للكاتبة الهندية ''سيفاني إيجا'' التي درست في سان فرانسيسكو فأتاح لها ذلك التعرّف على دقائق الأمور في أمريكا بمخيّلتها وتشويقها المتلاحق، فقد استطاع السيناريو أن يكشف عن حقيقة الدين الإسلامي بعيدا عن أيّة مصالح أو إسقاطات سياسية، وصولاً إلى عبقرية الدور المركب لشاروخان، الذي نجح نجاحا باهرا في تقمّص شخصية مصابة بمرض نادر، بالإضافة إلى نجاح الطفل الذي قام بدور طفولة رزوان خان، وكان تميّز شاروخان في دوره نابعا من عاملين، أوّلهما موهبته الكبيرة في التمثيل عموما وفي هذا العمل خصوصا، ثم علاقته بباقي الشخصيات سلبية كانت أم ايجابية التي كانت توفّر له مساحات شاسعة للبروز والتعبير، حيث اتّحدت كلّ هذه العناصر لتنتج فيلماً ممتازاً يسجّل نصراً جديداً لسينما العالم الثالث، أمّا النقاط السلبية، فهي لم تكن بذلك التجلي الذي قد يؤثر على المسار الجمالي للفيلم. ويمكننا الحديث عن نهاية الفيلم، حيث ستنتهي رحلة البطل بلقاء الرئيس الأمريكي وإخباره بتلك الجملة الرائعة ''اسمي خان وأنا لست إرهابيا''، فهنا إشارة واضحة إلى انتهاء معاناة المسلمين، وعودة البطل إلى زوجته تمثّل عودة الأمور إلى مجراها الطبيعي، لكن الواقع يثبت استمرار هذه المعاناة واستمرار صراع الأنا العربي والآخر، كما أنّ الأحداث في نهاية الفيلم جرت بوتيرة متسارعة وغير منسجمة، لكن هذا الجزء من الفيلم قد يحمل قصدا خاصا للمخرج يتمثل في مناشدته الكل إنهاء كل هذه الخلافات الإيديولوجية. ومهما يكن من أمر فقد حملنا ''كوران جوهر'' طيلة مدة عرض الفيلم نحو عوالم جمالية تواشجت مع مخلفات الواقع لدينا لتثمر تأثيرا عميقا لا يمكن أن يُمحي سريعا.