وصف الحقوقي الجزائري السيد فاروق قسنطيني مجازر 8ماي 1945 بالعار على فرنسا مصنفا إياها في خانة الجرائم ضد الإنسانية التي لا يمكن السكوت عليها والتي ستظل تشكل حاجزا تاريخيا بيننا وبين الشعب الفرنسي ما لم ترضخ الدولة الفرنسية لمطالب الجزائريين في الاعتراف أولا ثم الاعتذار وبعدها التعويض ماديا بما لا يقل عن العشرة ملايير يورو ولئن استبعد قسنطيني في هذا الحديث ل''المساء'' إمكانية متابعة فرنسا على جرائمها في المحاكم الدولية إلا ان الإدانة المعنوية للجرائم المقترفة ضد الجزائريين ستظل تلاحق الفرنسيين جيلا بعد جيل. - تعود علينا ذكرى الثامن ماي 1945 ككل سنة فبماذا تذكركم وماذا حضرتم للمناسبة؟ * إن هذه المناسبة تذكرنا في كل مرة بالوحشية الاستعمارية التي نحاول ان نستحضرها ونحن ننعم بالاستقلال ليتأكد لنا مرة بعد أخرى أن ما اقترفه الاستعمار الفرنسي جريمة لا تغتفر ..وهي جريمة ضد الإنسانية ولا يمكننا إعطاءها أي وصف آخر باعتبار أن الجرائم المصنفة في هذه الخانة تعد الأعلى والأشد عقابا بالمحاكم الدولية إذا ما خضع مرتكبوها للمحاكمة. ولان جرائم 8 ماي 1945 كانت منظمة ومدروسة ومخططا لها من قبل قيادات بالجزائروفرنسا والتي أعطت الأوامر -والتي لا تزال موثقة لحد الآن- لتنفيذ تلك الجريمة مستعملة في ذلك إمكانيات مادية وبشرية كبيرة أدت في النهاية الى النتيجة التي يعرفها الجميع وهي سقوط أزيد من 45 ألف شهيد عندما حولت فرنسا فرحة الجزائريين بالانتصار على ألمانيا النازية إلى جريمة نكراء في حق الجزائريين وقابلت الآلة العسكرية الفرنسية تلك المظاهرات السلمية بالتقتيل، حيث وجهت قوات الشرطة وحتى الكولون بنيران أسلحتها المختلفة صوب المواطنين العزل التواقين للحرية فكانت الحصيلة ثقيلة وأليمة بإزهاق الأرواح ظلما وعدوانا...وعليه فقد استحقت هذه الجريمة أن توصف وتصنف في خانة الجرائم ضد الإنسانية وهو الوصف الذي يرفض سماعه الفرنسيون. - بصفتكم هيئة حقوقية ما الذي قمتم به من أجل إدانة هذه الجرائم؟ * نحن نسعى بكل ما أتيح لنا لتجريم هذه المجازر وإعطائها حقها غير أننا نواجه مشاكل بهذا الخصوص تتعلق خصوصا بالجانب القانوني ومعلوم أن الجزائر وعقب الاستقلال مباشرة أي في سنة 1962 وقعت على اتفاقية عدم ملاحقة فرنسا عن ما تسببت فيه للجزائريين وهو الاتفاق المسمى ب''قانون العفو'' وهو الذي محا عن فرنسا 130 سنة من الاستعباد والقهر ضد الجزائريين وبالتالي حرم الأجيال اللاحقة من متابعة فرنسا واستعادة حقوق الجزائريين. ومن هنا فإن كل مساعي الحقوقيين والهيئات ستقف عند هذا الإشكال بحيث أن كل الجرائم التي ارتكبت تم التوقيع على الإعفاء عنها ولا يمكن متابعتها ومعاقبة مرتكبيها كما لا يمكنها ان تكون محل حراك مدني سواء على المستوى المحلي أو الدولي باستثناء الإدانة المعنوية والتي لا تقل أهمية عن الإدانة القانونية الدولية والتي لها ايجابياتها من حيث الاعتراف والاعتذار والتعويض. - إذا، فحسب ''قانون العفو'' لا يمكن فعل أي شيء؟ * لا ليس إلى هذا الحد لكن يبقى التنديد بهذه الأفعال والجرائم كما هو حاصل من طرف بعض المنظمات والكثير من الجزائريين من حقوقيين ومؤرخين ومجاهدين ضروريا ويمكن أن يأتي بنتيجة باعتبار أن ما حدث كان فعلا جريمة ضد الإنسانية وبالتالي تحميل فرنسا الإدانة المعنوية لهذه الجريمة ضروري وعاجلا أم آجلا ستعترف فرنسا بهذه الجريمة وجرائم أخرى وسترضخ للمطالب الشعبية بتقديم الاعتذار الذي يعد مكسبا نتفاخر به أمام الأجيال الصاعدة فآباؤنا انتزعوا الاستقلال ونحن بدورنا سننتزع الاعتذار. ...على فرنسا أن تستخلص الدروس من ماضيها القريب، فالرئيس السابق لفرنسا جاك شيراك نفسه لم يتردد في تقديم الاعتذار لليهود الذين تم اقتيادهم وإعدامهم سنة 1942 وهذه الحقائق التاريخية ساهمت في تبييض ماضي فرنسا المليء بالجرائم والحقائق التي لا يمكن نكرانها أوالهروب منها على غرار ما حدث بالجزائر إلا بالاعتراف بها وهو ما سيخفف من عبء السجل التاريخي الإجرامي لفرنسا وسيسمح بفتح صفحة جديدة بين الأجيال القادمة للجزائريين والفرنسيين. - بحكم الظروف الحالية هل ترون انه بإمكان فرنسا أن تقدم الاعتذار؟ * لا.لا فرنسا وحسب المواقف الأخيرة لها خلال السنوات الماضية فهي لا تريد الاعتراف ولا الاعتذار على الرغم من ان الأمر يتعلق بحقائق تاريخية لا يمكن إلغاؤها أومسحها وأن التاريخ شاهد عليها بإجماع المؤرخين بما في ذلك الفرنسيين الذين يؤكدون أن ما وقع جرائم ضد الإنسانية، ويصفها كبار الساسة المستلهمين للتاريخ في القرن العشرين ب''الهولوكوست'' الفرنسي بالجزائر. وأظن انه وبحكم القيادة الحالية لفرنسا فإن الاعتراف والاعتذار لن يكونا غدا وسنظل نضغط ونندد ونطالب بها الى أن يتسنى لنا ذلك إن عاجلا أم آجلا. - ما تقييمكم لحجم الألم والدمار الذي ألحقته فرنسا الاستعمارية بالجزائريين في ذلك اليوم؟ * هي جرائم بأتم معنى الكلمة قتل مباشر، تنكيل، تشريد وتهويل .. المأساة كانت كبيرة والنتيجة كانت مروعة ولعل الأرقام الكبيرة المعلن عنها تعكس حجم الكارثة التي ألمت بسكان سطيف، قالمة وخراطة والتي استمرت لأسابيع وشهور بعد ذلك اليوم ..ف45 ألف شهيد ''لا يعدهم إلا اللسان'' وإن أردنا يوما ان نعوض تلك الأرواح التي سقطت في يوم 8ماي 1945 ماديا فلا يمكن ان نقبل بأقل من عشرة ملايير يورو على أقل تقدير.