نظمت وزارة التضامن الوطني والأسرة مؤخرا يوما تحسيسيا حول نقل قيم الثقافة الإسلامية والحضارية للطفل، بمناسبة تنظيم شهر التراث تحت شعار التراث الثقافي والمجتمع الجواري وفعاليات تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية، والاحتفال باليوم العالمي للطفل، حيث تم التطرق إلى آلية نقل الموروث الإسلامي، الثقافي والحضري من خلال القصة والحكاية. تلعب الحكاية أو القصة دورا فعالا في تكوين شخصية الطفل وتعزيز التواصل بين الكبار والصغار من خلال تقوية العلاقات الاجتماعية لإرساء قواعد التماسك الأسري الذي يضمن سلامة المجتمعات، وقد حرص المتدخلون على عرض أهمية القصة أو الحكاية الشفوية على إيصال هذه المبادئ. البداية كانت مع المحاضر ميرود محمد، وهو أستاذ علم النفس ونائب عميد كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة الجزائر يقول ''الطفولة هي أدق مرحلة في حياة الإنسان على الإطلاق، لأنها تكوّن شخصية الطفل الذي سيصبح رجل المستقبل، وتقوم سلوكه في المراحل اللاحقة، والطفولة تنقسم إلى 3 مراحل، فالمرحلة الأولى تنتهي في 3 سنوات أما المرحلة الثانية فتنتهي في ست سنوات، في حين تمتد الثالثة إلى مرحلة البلوغ، ولكل مرحلة خصوصياتها ولكنها ترتبط ببعضها البعض ارتباطا وثيقا، وكل طفل يمر بمرحلة التنشئة الاجتماعية التي تشارك فيها كل من الأسرة، المدرسة، المحيط ووسائل الإعلام التي باتت تلعب دورا كبيرا خلال السنوات الأخيرة، خاصة أن الطفل أصبح يتفرج كثيرا على ما ينتجه الغير، وأهم شيء في التنشئة هو إدخال القيم الدينية، والوطنية، والاجتماعية، من خلال الحكاية أو القصة والتي لابد أن يؤخذ فيها بعين الاعتبار الأطفال العاديون والأطفال ذوو الاحتياجات الخاصة، ولا يختلف اثنان على أن القصة لعبت دورا كبيرا في المجتمع الجزائري من خلال الشخصيات الدينية والتاريخية التي كانت تتداول حكاياتها الجدات، وهي ما تعرف باسم الحكاية المروية الشفوية، فالطفل خلال المرحلة الأولى من حياته يتمتع بالخيال الخصب، فالقصة تضمن له الاسترخاء كما أنه يستحضر الشخصيات والأشكال، ويتصورها والحكاية في الجزائر تتقمص أشكال حيوانات، وأشخاصا لعبوا دورا كبيرا في المجتمع الجزائري، والرموز، وكلها أمور هامة تخدم شخصية الطفل. ويواصل الدكتور ميرود قائلا ''الطفل يتميز بقدرات والحكاية تساعده على تنمية قدراته بمراعاة المرحلة التي يمر بها، فالدراسات التي أجريت حول القصة وشخصية الطفل توصلت إلى العلاقة الموجودة بين الحكاية والقيم، إلا أننا للأسف نظرا للانشغالات وضغط الحياة هناك تراجع للحكاية على مستوى الأسرة الجزائرية، رغم كل ما لدينا من تكنولوجيا ووسائل إعلام، لابد من التنبيه والإشارة إلى أن الحكاية المباشرة تصنع التواصل بين الطفل والأسرة، وهذا التواصل يغرس القيم الدينية، والثقافية والاجتماعية التي لابد أن يتشبع بها الطفل. من جهتها السيدة زوبيدة معامرية مفتشة في وزارة الثقافة قدمت مداخلة حول دور الحكاية في نقل القيم الثقافية والحضارية لدى الطفل تقول ''القصة وجدت قبل بداية الكتابة، وهذا الأمر يعكس أهميتها الشديدة في المجتمعات، كما أنها تعكس ثقافة شعب كامل''، مشيرة إلى أنها جمعت 700 قصة شفوية من سوق أهراس وحدها، وكلها قصص تسمح بالاعتماد عليها كموديل لتنوير درب الطفل وإشباعه بالقيم الاجتماعية. وأضافت السيدة زوبيدة قائلة ''القصة جزء من التراث وهي حاملة لقيمنا وثقافتنا، وهي التي تعلم الطفل المسؤولية بحيث يتقمص شخصية الأبطال، كما تعلمه التواصل مع الآخرين، فالطفل عندما يستمع للراوي يعطيه الاهتمام بالاستماع ثم السؤال عما فهمه وما لم يفهمه، وهذه نقاط جد أساسية، علاوة على مختلف النقاط الإيجابية الهامة التي تضمنها القصة، ومن بينها إعادة الاعتبار للموروث الثقافي والحضاري، وتعزيز الثقافة الشفوية وتدوينها قصد الحفاظ عليها، وترسيخ ثقافة الاتصال والتواصل بين الأجيال، وغرس روح الحوار والتحاور عند الطفل وتعزيز معالم الهوية والانتماء، وتثمين مكانة ودور الحكاية في ترسيخ المبادئ الحضارية، والثقافية والتاريخية لدى الطفل. ودعت السيدة معامرية في نهاية مداخلتها إلى إعادة الراوي للمنصة التربوية لنقل هذه القيم، إلى جانب تخصيص نصف ساعة يوميا على التلفزيون الجزائري للقصة أو الحكاية التراثية ليتشبع الأطفال بقينما الجزائرية الإسلامية الوطنية.