''الباهية'' وصف اشتهرت به وهران التي تقع في الغرب الجزائري، وهذا البهاء تستمده من مواقعها الأثرية التي ما تزال صامدة على مر الأزمان لتشهد على آثار حضارات تعاقبت عليها.. منها حصن الجبل أو ما يسمى بحصن سانتا كروز الذي يعد من المعالم الأثرية التي خلفها الاسبان، حيث ما يزال هذا الموقع السياحي الهام، مزارا مفضلا من طرف السياح الذين يلامسون سحر الماضي في هذا الموقع الذي يطل على مدينة وهران العريقة، خاصة في هذا الموسم الذي يدعو للتنزه والاصطياف. قادتنا زيارة للحصن الذي ينتصب على جبل مرجاجو رفقة وفد إعلامي استفاد من رحلة سياحية إعلامية إلى بعض ولايات الغرب تحت إشراف إطارات من وزارة السياحة والصناعة التقليدية والديوان الوطني للسياحة، وكان ذلك يوم 26 جوان المنصرم.. الطريق نحو الحصن سلسلة من المرتفعات تزينها من اليسار صخور رائعة ومن اليمين واجهة بحرية تشكل مشهدا رومنسيا يستمر إلى غاية قمة جبل مرجاجو، حيث شيد الإسبان حصن سانتا كروز. عند مدخل الحصن تتراءى صورة شاملة عن مدينة وهران العتيقة التي أسّسها مجموعة من التجار الأندلسيين والمغاربة في القرن العاشر الميلادي، قبل أن يحتلها الإسبان عام 1509 م ليطردوا بعدها على أيدي العثمانيين عام 1792م، إلى غاية سنة ,1838 إذ احتلها الفرنسيون ولم يخرجوا منها إلا بعد استقلال الجزائر سنة 1962م، ويشكل الحصن ذو البصمات الاسبانية منظرا خلابا في قمة الجبل تصنعها زرقة البحر وآثار حضارات مرت من وهران، التي نالت لقب عاصمة الغرب الجزائري، وجرى تصنيفه مؤخرا ضمن سلسلة المعالم الأثرية الوطنية. قصة هذا الحصن المميز الذي يتوافد لأجل الاستمتاع بمشاهدته العديد من الزوار المولعين بالمواقع الأثرية، تحمل بين طياتها الكثير من الحقائق التاريخية، التي بدأت في نهاية القرن السادس عشر، وهو تاريخ تشييد الحصن من طرف الإسبان، وربط خبراء تشييد الحصن بنوايا اسبانيا التوسعية لحماية نظامها من زحف العثمانيين الذين اشتد عودهم في تلك الفترة. واستنادا إلى المرشد السياحي عبد الحق عبد السلام، فإنّ حصن الجبل - هو عبارة عن قلعة كبيرة مربوطة مباشرة بالمرسى ''الميناء حاليا'' -جرى تشييده من طرف الإسبان زمن استيطانهم بالجزائر في القرن السادس عشر الميلادي - وتوجد تحت الحصن كنيسة سانتا كروز (الصليب المقدس) التي شيدت عام 1850 بعد كارثة عدوى الكوليرا التي بدأت في شهر سبتمبر من عام 1849 فأودت بحياة 1171 شخصا في ظرف 16 يوما خلال شهر أكتوبر من نفس السنة أي ما يعادل 5 بالمائة من مجموع سكان وهران المقدر آنذاك ب 25 ألف ساكن. وفيما عجزت إدارة الاحتلال الفرنسية وقتئذ عن مواجهة وباء الكوليرا الناجم عن قلة النظافة بسبب الجفاف، تم تنظيم مسيرة يوم 4 نوفمبر 1849 قادت الأقدام السود من مدينة وهران القديمة إلى موقع الحصن، وبعد المسيرة تهاطلت الأمطار لمدة ثلاثة أيام، فانحسر داء الكوليرا. وانطلاقا من تاريخ المسيرة التي أسفرت عن معجزة المطر أصبح المسيحيون يحجون إلى مكان الكنيسة في شكل جماعات يبلغ عددها 10 آلاف بأقدام حافية أو استنادا على ركبهم.. وظلت مزارا لهم إلى غاية استقلال الجزائر. تم سنة 1783 تثبيت تمثال العذراء على البرج المشيد بالحصن في عام 1870 .. وبعد 100 سنة من تشييد كنيسة سانتا كروز الصغيرة تم تهديمها لتشييد أخرى كبيرة. منذ افتتاحها من أكثر من قرن ونصف تستقطب السيدة المقدسة أو عذراء سانتا كروز العديد من المسيحيين والفضوليين، وما زالت إلى حد الساعة تشكل مزارا للأقدام السود، حوالي مرتين أو ثلاث مراث في السنة، إيمانا منهم بدورها التشفعي في وباء كوليرا 1849 ولطلب تحقيق رغباتهم. ويذكر أن الأقدام السود أخذوا معهم تمثال العذراء إثر مغادرتهم للجزائر المستقلة ووضعوا تمثالا آخر محله.