الزائر لمعرض حمزة بونوة الذي يحتضنه المتحف الوطني للفن الحديث والمعاصر بالعاصمة منذ بداية الأسبوع الجاري يدرك تمام الإدراك السبب الذي جعل هذا الفنان الشاب يسمي معرضه "إلى السماء الحرف عروج" ··· فعندما يتحوّل الحرف إلى تقنية يعبّر من خلالها الفنان عما يجول في خاطره من مشاعر وأحاسيس، ويكشف عن ما يكدّر صفو أيامه ولياليه ليكشف بذلك عن خبايا كثيرة دفنت في مواطن مظلمة من تلافيف النفس العميقة، لتجعل روح الفنان تسمو ليبلغ عنان السماء وتسفر عن تحفا فنية جميلة ورقيقة· حمزة بونوة أدرك تماما كيف يستفيد من الأشكال المبهرة للخط العربي وحروفه ويستغل نفحات من الوحي القرآني ليقدّم أعمالا من الصعب على الجمهور أن لا يبقى صامت ومتأمّلا أمامها، وسعى حمزة أيضا إلى استغلال مختلف مدارس الخط العربي وعلى رأسها مدرسة الكوفة··ليشكّل لوحات تتكلّم عن نفسها وتعبّر عبر "حرف تتوضأ"، "مسح"، "حروف في صعود ونزول"، "شخوص في تحوّل"، "مخرج"،"حالات"، "تجريد حروفي" و"شخوص حروفية"··عن خباياها بألوان قاتمة مزجت بين الأحمر والأسود والبني القاتم، وفاتحة أحيانا أخرى أعطى فيها الكلمة للأزرق والأخضر والذهبي فعلى أرضية زجاجية، عمل الفنان التشكيلي الشاب على تحويل عمل مخطوطي إلى عمل تصويري في إطار ما، معتمدا على الشكل العمودي حيث تتحرّك الحروف والأشكال الآدمية والزخارف في مسارات عمودية تختلط بدلالات صوفية ليتحقّق المسار في البناء من الأسطر العمودية التي تتناغم مع مسارات الحروف من الأسفل إلى الأعلى بشكل أشبه ما يكون بنمط الكتابة الصينية · كل تلك الجماليات والمزج بين الروحيات والماديات، تعدّ تفسيرا واضحا لجملة الجوائز التي تحصّل عليها ابن المدرسة العليا للفنون الجميلة حمزة بونوة سيما الجائزة الكبرى "عبد المحسن الخوافي" للفن العربي المعاصر بالكويت والجائزة الأولى للملتقى الأوربي الجزائري ببلجيكا، وكذا الجائزة الأولى للبحر المتوسط لمؤسسة عسلة والجائزة الكبرى لمدينة الجزائر··كلّ هذا يجعل من حمزة صاحب ال29 ربيعا، واحدا من التشكيليين الذين يعملون بغية التجديد في خطاب فن الخطاطة التشكيلي لوضعه في مسلك جديد من مسالك الفن العالمي·