عندما خرج بعض الشارع في بعض الدول العربية مناديا بإسقاط النظام في إطار ما سمي -ذرا للغبار في العيون- ''الربيع العربي'' هل طرح المتحمسون منهم السؤال المنطقي ''ثم ماذا؟''. نقول هذا حتى لا تتحول نشوة الانتصار إلى مرارة عندما يجد الشعب نفسه في نفق يصعب الخروج منه بالسرعة المرجوة وقد لايرى مخرجا منه حتى على المدى البعيد. ولايقولن قائل بأن تكرار سؤال ''ثم ماذا؟'' طرح يثبط العزائم لأن طرحه يدخل في توفير أسباب قطف ثمار أية ثورة أو حركة تغيير سياسي أو اجتماعي، وهذه مهمة لا توكل إلى الشارع وإنما تحتاج إلى استراتيجية محكمة تضيف جديدا أصبح المجتمع في حاجة إليه، وليس تقويض ما تحقق في مسار هذا البلد أو ذاك. وإذا سلمنا بأن انتفاضات الربيع العربي تلقائية لا يد خارجية فيها ولا وجود لأداة داخلية تنفذها -الأمر الذي أستبعده- فإن شهر العسل الذي عاشته الشوارع المنتفضة سرعان ما انتهى وفسح المجال للحسابات الإيديولوجية والسياسية وحروب المواقع الباردة، وهي المعطيات التي أدت إلى تأخر جني ثمار الثورة إن في مصر وإن في تونس ناهيك على الحرب الأهلية التي تسببت فيها في كل من ليبيا واليمن. والملاحظ -حتى يثبت العكس- أن هذه الثورة قامت لمجرد الثورة، لأن الثورة الحقيقية تحدد أهدافها وأدواتها وتوقيتها وإعداد البدائل للفراغ الذي يحدثه نجاحها وهذا ما تفتقر إليه الثورات الحالية وحتى الثورات المحتملة هنا وهناك في الوطن العربي، الذي أصبح ميدانا يطبق فيه أصحاب الفوضى الخلاقة نظرياتهم السياسية والاجتماعية والعسكرية.