لعل صناعة العجائن من المهن الشريفة التي أصبحت النساء يتداولنها مؤخرا، حيث يزداد الطلب عليها من جهة، والتفاني والخبرة في صناعتها من جهة أخرى خاصة خلال شهر رمضان لتلبية حاجة بعض الناس إليها. من منازل إلى ورشات للعملهي ظاهرة متكررة لاحظناها طوال السنوات الماضية، تتمثل في تحول بعض المنازل الى مصانع، منها ما تكون أشبه بمصانع أو ورشات تقليدية ومنها العصرية الحضارية، لما تتوفر عليه من مستلزمات العجين الكهربائية (آلة العجين)، حيث لايبذل مجهود كبير في توفير أو صناعة كمية كبيرة من العجائن بمختلف أنواعها وأحجامها مما يغطي السوق ويلبي الطلب المتزايد عليها طوال شهر رمضان. من جهة أخرى، فإن النساء اللواتي يستخدمن أدوات تقليدية في ممارسة المهنة لا يعني أنهن لايحققن ربحا ورواجا نظرا لعدم توفر الامكانيات المادية المحققة لذلك. وبالمقابل فإن الزبون عند اقتنائه للبعض من هذه العجائن، فإنه يفضل تلك المصنوعة يدويا بدلا من التي صنعتها الآلة خاصة إذا تعلق الأمر ''بالديول'' وهو ما أشارت إليه مواطنة بقولها ''أن الديول المصنوعة بطريقة تقليدية أفضل من حيث طريقة التحضير على تلك المصنوعة آليا''، في حين قالت مواطنة أخرى ''أن الديول المصنعة التي أصبحت تباع مؤخرا في الاسواق تعتبر تطبيقية من حيث أنها غير قابلة للتمزق أثناء طريقة الحشو''. كما اختلفت الآراء من حيث أفضلية العجائن المصنوعة بطريقة تقليدية وتلك المصنوعة بطريقة عصرية حضارية، كذلك تختلف الآراء بين الناس من حيث تفضيل صناعة هذه العجائن في المنزل من طرف ربات البيوت على تلك التي تتم صناعتها وجعلها سلعة تباع في مختلف المحلات المتواجدة في السوق، إلا أن هذا لا يمنع من ممارسة بعض النساء لهذه المهنة - صناعة العجين- إذ تعتبر بمثابة حل بالنسبة للنسوة اللواتي لا يحترفن صناعة العجين أو العاملات اللواتي لا يتسنى لهن الوقت للقيام بذلك. قصدنا إحدى النساء التي تقوم بصناعة العجائن بأنواعها ''المطلوع''، ''الديول''، ''القطايف''.. وغيرها من العجائن التي يتم استخدامها بشكل مكثف في هذا الشهر الفضيل على غرار الأشهر الاخرى في السنة، أول ما لاحظناه هو تحول المطبخ بمساحته الواسعة الى ورشة صغيرة للعمل الحرّ، كذلك لاحظنا بناتها الاربع اللواتي أصبحن يشكلن مجموعة عاملات يتقاضين أجرا بعد تحصيل الارباح من بيع منتجاتهن، وأخيرا صاحبة الورشة أوربة العمل ''السيدة حكيمة'' والتي نقلنا إليها مختلف تساؤلاتنا أكثرها يتمحور حول السبب الذي دفعها الى التفكير في تأسيس هذا العمل، حيث صرحت لنا المتحدثة في البداية ''كانت مجرد فكرة توفرت الشروط لتطبيقها''، كما أنها تتقن كافة أصناف العجين الموروث عن والدتها وكذلك صناعة الحلويات والعجائن والطبخ والخياطة، أي ما يطابق المثل القائل ''كل صبع بصنعة''، وأضافت ذات المتحدثة ''بتغير أشهر السنة وكذا المناسبات أقوم أنا بتغيير نشاطي، إذ أن شهر رمضان جعلني أغير نشاطي الى صناعة مختلف أنواع العجين بإعتبارها مطلوبة بكثرة في هذا الشهر''. وهذا ما يعني أنها تمارس كل الصناعات التقليدية على مدار السنة، أي أن مجال اهتمامها لا يتمركز فقط على صناعة العجين. وبالرغم من تحفظها عن كشف حجم المبيعات والارباح من صناعة العجائن إلا أنها تعترف أن ما تحققه خلال هذا الشهر الفضيل لا يمكن تحقيقه في أي مجال من المجالات الاخرى، مبررة قولها ''أن العمل الكثير وتحويل مطبخي الى ورشة يبرره الطلب المتزايد من قبل الصائمين''، بحيث لا تخلو مائدة إفطار من ''خبز المطلوع'' و''البوراك'' طوال شهر رمضان. من جهته، يعتبر أحد الزبائن إلتقيناه في سوق باش جراح أنه يقدر هذه المثابرة من مثل هؤلاء النسوة فهو لا يتصور مائدة الافطار من دون هذه العجائن ليست فقط من حيث التزيين، كذلك يعبترها مكملات لأطباق رمضان''. صناعة العجين مهنة لكسب الرزق من جهة أخرى، ونحن في ذات السوق، فإذا بمواطنة تحمل بحوزتها قفة درجة حرارتها بدت أكثر من درجة حرارة الطقس بالنسبة لمن اقترب إليها، ''مطلوع سخون'' قامت بإحضاره فور انتهائها من تحضيره الى محل تعاقدت معه خلال شهر رمضان اعتبرتها مهنة شريفة تكسب بها رزقها وقوت أولادها إثر وفاة زوجها. كلها آراء اختلفت فيما بين منتج ومستهلك أو بائع ومشتر، إلا أنها تبقى في الاخير مهنة تلقى رواجا كبيرا خاصة خلال شهر رمضان بفائدة ذات اتجاهين.