الجزائر تحتفي بتظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية التي هي الفعل الثقافي المحوري لسنة,2011 وبهذه المناسبة ارتأينا أن نتناول معلما تاريخيا كبيرا، ورمزا إسلاميا عظيما وهو الجامع الكبير، وذلك من خلال دراسة دقيقة وتاريخية أعدّها المرحوم فضيلة الشيخ عبد الرحمن الجيلالي وقد تم نشرها في عدد خاص من مجلة الأصالة التي كانت تصدرها وزارة التعليم الأصلي والشؤون الدينية، وقد جاء هذا العدد الخاص بمناسبة مرور ألف سنة على إنشاء مدينة الجزائر العاصمة سنة 1972م والعيد العاشر للاستقلال الوطني. وبالناحية الشمالية الشرقية نجد (باب الطحطاحة) -أي البطحاء- وباب الجنائز وكلاهما مسدود اليوم واستعمل باب الفوارة مكان باب الجنائز، وفي مكان باب الجنائز أقيمت مقصورة للباش حزاب -رئيس القراء- ويقابل هذين البابين من الناحية الجنوبية الغربية مدخلان يؤديان إلى الصحن المحيط بالمسجد من الجنوب الغربي إلى الشرق ومثلهما مدخلان آخران في جدار القبلة، أحدهما عن اليمين والآخر عن الشمال وقد زيد اليوم بينهما ثالث قرب مقصورة الخطيب، وكلها تؤدي إلى الصحن المذكور. وهذا الصحن موضوع فوق أقبية كانت تستعمل في مصالح البحرية لحماية المدينة بحرا فحطمت من أثر ما تسلط على الجزائر وما واجهته من حروب بحرية، فبهذا الاعتبار نستطيع أن نطلق على هذا المكان اسم الرباط، فهو في آن واحد مسجد جامع ورباط. ثم إن هذا الشباك الموجود اليوم من فوق السور الموازي لهذا الصحن الخارجي عن جدار القبلة ليس هو بالأصيل وإنما اتخذ زينة لهذه الواجهة يوم زيارة رئيس الجمهورية الفرنسية (لوبي) للجزائر في أفريل من سنة 1903م 1321ه، ومثله في ذلك نجده بالواجهة الشمالية الغربية من هذا الرواق الجميل ذي الستة عشر قوسا مرفوعة فوق سواري غليظة من الرخام الأبيض المزخرف فإنه أيضا مستحدث في أواسط القرن الثالث عشر ه (1252/1837م) أي عندما حطم جامع السيدة وهو بجواره جيء بهذه السواري وكذلك الحوض المرمري الأسود الذي يتوسطهما فوضعت بهذا المكان وفرشت أرضيته بالفسيفساء وقد كان هذا الحوض -كما أدركناه- مشتملا على ثلاثة أحواض فسقط منها أعلاها وأهمل شأنه فأتلفت قطعه وذهبت أدراج الرياح حيث لم يكن هناك من يأبه له أو يعتني به. دشن هذا الرواق بمحضر البرانس الفرنسي (دونومور) -ديسمبر 1837م- وجيئ يوم تدشنيه بمجموعة من مسكوكات متنوعة لهذه الدولة من ذهب وفضة وبرونز من ضرب سنة 1836م وأضيف إليها صورة الملك (لويس فيليب الأول) وحرر في ذلك عرض حال مفصل وجعل الكل في جرة دفنت تحت سارية من هذه السواري بقيت مجهولة إلى اليوم، ونذكر من بين أنقاض جامع السيدة هذا، المنبر الرخامي الجميل القائم اليوم بالجامع الجديد ومنبره الاصلي هو المستعمل كسلم يصعد عليه إلى سدة القراء بوسط المسجد. على أن هناك من يذكر وأنه قد سبق لهذه الواجهة الشمالية الغربية من الجامع الكبير قد سبق أن لحقتها ترميمات وإصلاحات متعددة بسبب ما تسلط على المسجد من وقع قنابل الأعداء، لاسيما سنوات 1688 ,1682 و1732م، بحيث كثر غزو الأجانب واعتداؤهم على الجزائر. ومما يشتمل عليه هذا المسجد من عناصر العمارة عنصر آخر مميز للفن الإسلامي، ألا وهو بناية القبة، فالقبة عرفها المسلمون منذ أن أقام عبد الملك بن مروان قبة الصخرة بالقدس الشريف (72ه/691م) وكانت معروفة من قبل عند البزنطيين والرومان، وفي مسجدنا هذا نجد ستة قبب أربعة بداخله، وإثنان خارجه، أولها قبة المحراب المثمنة الأضلاع ومثلها قبة مقصورة المؤذنين، وهما لاشك من العهد التركي، ذلك أن قبة المرابطين الموجودة بجامع تلمسان تخالفهما تماما فلذلك أنا لا أتردد في نفيها عن الطراز المرابطي وكذلك قبة النافورة القديمة التي بفناء المسجد فهي كذلك لا تعاصر المسجد، أما الأخرى التي بجانبها فقد قدمنا الكلام عنها وأنها حدثت أخيرا فقط، وأما بخارجه قبة مقصورة المفتي وقبة المحكمة، وأقدمها قبة المقصورة وهي تركية أيضا، أما الأخرى فحديثة كما ذكرناه.