ينتظر الصغار هلال العيد على أحر من الجمر طمعا في العيدية التي تعد أهم عنوان لعيد الفطر عندهم، لذا ليس من الغريب أن يدخلوا مع صبيحة أول أيام العيد في سباق محموم لجمع أكبر قدر من النقود مقابل قبلات سلام يوزعونها على الآباء والأقارب والجيران، إلا أنه في الوقت الذي يبدي فيه العديد من الأطفال تمسكا بحقهم في الحصول على العيدية، يظهر الجو العام تراجعا ملحوظا بخصوص ممارسة هذه العادة في العديد من الأسر الجزائرية. والعيدية هي عبارة عن مبلغ مالي لجلب الفرحة والسعادة للأطفال، كما يمكن أن تكون في شكل هدية يقدمها الكبار كل حسب إمكانياته. وجرت العادة أن يتسابق الأطفال للظفر بها عقب الانتهاء من أداء صلاة العيد، حيث تنتشر مظاهر التصافح وتبادل التهاني ما بين الناس والأقارب والجيران، في الوقت الذي يتسلل فيه الصغار بين الكبار لإلزامهم بهذه العادة التي صارت ضمن موروثات الشعوب العربية وجزءا أساسيا لتكتمل فرحتهم بعيد الفطر المبارك، وكم تكبر سعادتهم كلما ارتفعت مؤشرات حصالاتهم! ليبدأ إثرها التفاخر فيما بينهم بما حصلوا عليه من نقود. وبالنظر إلى التراجع الملحوظ التي بدأ يشق طريقه نحو هذه الظاهرة في المجتمع الجزائري استطلعت ''المساء'' آراء بعض المواطنين حول هذه العادة المتوارثة لمعرفة الجواب عن السؤال: ماذا تفضلون المحافظة عليها أم التخلي عنها؟ وتأرجحت الآراء المسجلة بين من يصر على ضرورة التمسك بها إرضاء لفلذات الأكباد، وبين من يرى بأنها تصبح في بعض الأحيان مصدرا للامتعاض والحرج! بل وتشكل ضغطا ماليا إضافيا للبعض. وتدافع السيدة ''نجوى''، أم لطفلين، عن هذه العادة قائلة: ''صحيح أن العيدية ليست أمرا إلزاميا، ومع هذا يبقى إكرام الأطفال في هذه المناسبة المباركة أمرا مستحبا يضفي أجواء خاصة من البهجة في عالم البراءة الذي تحوم حوله العديد من الإغراءات، لاسيما ما يتعلق بالألعاب. وأردفت: ''إنها عادة محببة أتمنى أن تستمر، فمجرد مبلغ رمزي يصنع سعادة الصغار دون أن يهدد ميزانية الأسرة، أو ينقص من بهجة العيد. وتضم ''أم دعاء'' صوتها إلى محدثتنا، مؤكدة أنها تحرص في كل عيد على تخصيص مبلغ محدد لإكرام الصغار بالنقود والبالونات الهوائية، مشيرة إلى أنها تستذكر من خلال ذلك أيام الطفولة، حيث كان يغمرها الشوق لاستقبال هذه المناسبة المرادفة للعيدية. وتتأسف ''أم دعاء'' لانحسار هذه العادة في المجتمع الجزائري منذ السنوات الأخيرة، باعتبار أن العديد من أطفال اليوم لا توجد بحوزتهم حصالة أو ''شحيحة''، كما يطلق عليها العامة، كونهم لا يعرفون المغزى الحقيقي من هذه العادة التي اختفت في بعض الأسر. إعطاء هدية أو مبلغ رمزي للأطفال لشراء اللعب التي يحبونها فكرة جميلة، تعكس خصوصيات مناسبة عيد الفطر المبارك...'' هكذا تفكر ''أم يمنى'' التي أشارت إلى ''المساء'' بأن العيدية تجاوزت حدود الصغار نحو عالم الكبار وحساباتهم التي تدعوهم للمقارنة دون مراعاة لإمكانيات أصحاب الدخل المحدود، ولهذا السبب تخلى البعض عنها تفاديا للحرج الذي ينجم عن إعطاء مبلغ بسيط. من ناحية أخرى، دعت إلى عدم تحويل العيدية إلى ضغط مالي وأن لا تتخطى الميزانية المتاحه لها، مبرزة أن الأوضاع الاقتصادية السيئة قد لا تسمح بإعطاء مبالغ كبيرة. من جانبها، مازالت ''أم نسيبة'' حريصة على إسعاد الصغار بالعيدية بحكم أنهم ينتظرونها بشوق كبير، مثلما هو الحال بالنسبة لصغيرتها ''نسيبة''. وعن تراجع هذه العادة توجه ''أم نسيبة'' أصابع الاتهام إلى التغيير الذي طرأ على ذهنيات بعض الناس ممن اختزلوا هذه العادة بخلا، نافية أن تكون الظروف المعيشية الصعبة هي السبب الرئيسي. سيدة ترتدي ''الحايك'' الذي يدل على أنها من سكان القصبة العتيقة، عبرت عن حسرتها على أيام زمان التي ولت آخذة معها عدة عادات جميلة وأخلاق حميدة على غرار تبادل الأطباق والتكافل بين الجيران، مضيفة أن قلة الإمكانيات لم تكن لتحُول دون إكرام الصغار ولو بمبلغ رمزي في يوم عيد الفطر، بينما رحل في هذا الزمن الكريم والتراحم والبركة التي كانت تميز حياة الجزائريين فيما مضى. لكن البعض الآخر من محدثينا أكدوا على أن انحسار هذه العادة مرتبط أساسا بتدهور القدرة الشرائية وما يقابله من غلاء فاحش، لاسيما في مثل هذه المناسبات التي تنشب فيها حرائق الأسعار، وفي هذا الشأن أقر شيخ من سكان القصبة العتيقة (85 سنة) أن العيدية عادة مارسها الجزائريون منذ عدة عقود، إلا أنه لا يجب أن تأخذ طابعا إلزاميا، لأنه ليس بوسع كل الشرائح التكرم بالنقود على الأطفال. سيدة أخرى اعترفت في سياق حديثها بأنها لا تلزم نفسها بالعيدية، من منطلق أن وضعها المادي هو الذي يقرر إقبالها أو عزوفها عن ممارسة هذه العادة. وتابعت لتوضح أنه ليس لزاماً على رب البيت ذي الدخل المحدود أن يرصد مبلغاً لا بأس به من المال لممارسة هذه العادة؟! خاصة وأن ميزانيته تكون قد أرهقت من مصاريف شهر رمضان وملابس العيد وما يتبعها من لوازم الدخول المدرسي التي تعرف غالبا ارتفاعا قياسيا بسبب جشع التجار. نفس الانطباع يحمله ''أبو باديس''، الذي يرى في هذه العادة التي تسير في طريق التراجع جسرا لإدخال البهجة على الأطفال وتشجيعهم على الصوم، غير أن الوضعية المالية جعلت المواطن يحسب ألف حساب لكل سنتيم قبل أن يخرجه من جيبه، ومع ذلك يفضل محدثنا المحافظة على حق الأطفال في الحصول على العيدية على أن لا يتم التعامل معها على أنها ضريبة مفروضة على المقتدر ماليا وغير المقتدر.