أجمعت كل الجهات التي تابعت عمليات التصويت التي شهدت أطوارها تونس لانتخاب نواب المجلس التأسيسي أنها عاشت يوما تاريخيا وهو قبل أن يكون انتصارا لأي من التشكيلات الحزبية التي خاضت السباق فهو انتصار للديمقراطية وبطريقة متعدية انتصار لثورات التغيير التي عرفتها العديد من الدول العربية. وبغض النظر عمن سيفوز بأكبر حصة من مقاعد هذه الهيئة التشريعية المؤقتة المشكلة من 217 نائب فإن الناخبين التونسيين اظهروا نضجا سياسيا عاليا وأكدوا للعالم أن الديمقراطية ليست حكرا على شعب دون الآخر أو جنس دون سواه وانه متى توفرت ظروف الاحتكام إلى قواعدها فإن الشعب التونسي أكد انه لن يخرج عن هذه القاعدة. وأكدت تقارير الهيئات والملاحظين الذين توافدوا على تونس لمراقبة اول انتخابات تعددية في بلد حكمه الحزب الواحد بيد من حديد ضمن نظام انتهج ديمقراطية صورية لأكثر من نصف قرن الزخم الذي شحنته ثورة الياسمين في نفوس التونسيين لتغيير واقعهم اليومي باتجاه ما هو أحسن سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وتأكد ذلك من خلال صبرهم للوقوف في طوابير لا متناهية من اجل اختيار من رأوا فيه الأهليته لتمثيلهم في مجلس تأسيسي أملته الظروف وحساسية المرحلة. ولم يكن الهدوء العام وروح المسؤولية التي تحلى بها الناخبون أثناء أدائهم لحقهم الانتخابي إلا دليلا على رغبة التونسيين في إيصال ثورتهم إلى بر الأمان بعد ثلاثة أسابيع من الاعتصامات والمواجهات مع قوات الأمن وأشهر من عمليات الشد والجذب بين مختلف الفعاليات السياسية بهدف وضع تصور للمرحلة الانتقالية التي يجب أن تتمخض عنها الجمهورية التونسية الثالثة. وبمجرد أن اجتاز التونسيون اول امتحان انتخابي بسلام بدأت التكهنات بخصوص التشكيلات التي ستتمكن من اقتطاع ورقة الجلوس في المجلس التأسيسي الذي سيكون له شرف وضع خارطة طريق لبناء تونس بمعالم وقواعد جديدة يكون فيها المواطن التونسي هو حجر الزاوية ومركز الاهتمام قبل أي شيء آخر. ولم تنتظر حركة النهضة الإسلامية التي يقودها راشد الغنوشي الإعلان الرسمي للجنة الانتخابات عن النتائج النهائية وسارعت إلى التأكيد أنها ستفوز بقرابة 40 في المئة من مجموع عدد مقاعد المجلس التأسيسي قبل أن تتراجع عن توقعاتها الأكثر تفاؤلا وحصر حصتها مابين 60 و65 مقعدا نيابيا فقط من أصل 217 المشكلة للمجلس التأسيسي.وكانت مصادر الحزب أكدت في وقت سابق أنها ستحصد 40 بالمئة من مجموع المقاعد وذهبت إلى حد القول إنها ستفوز بنتائج 24 دائرة انتخابية من أصل 27 دائرة محل التنافس. وبدأت تكهنات حركة النهضة ضمن حرب نفسية مقصودة باتجاه خصومها والتأكيد على أنها اكبر قوة سياسية في البلاد رغم أن عمليات الفرز كانت والى غاية مساء أمس في بداياتها ولم تتضح حينها التوجهات العامة لاختيارات الناخبين التونسيين المقدر عددهم بأكثر من 7 ملايين ناخب والذين سجلوا اكبر نسبة مشاركة في تاريخ المواعيد الانتخابية التي شهدتها تونس منذ استقلالها. يذكر أن الهيئة التونسية العليا المستقلة للانتخابات سبق وان أكدت أن الإعلان عن النتائج النهائية مساء الاثنين قبل أن تتراجع وتؤكد تأجيل الموعد إلى غاية نهار اليوم وهو الأمر الذي أبقى على حالة الترقب التي طبعت مواقف الأحزاب السياسية المشاركة. وأكدت مصادر تونسية حزبية وأخرى من اللجنة العليا المستقلة للانتخابات ان حزب التكتل الديمقراطي من اجل العمل والحريات وحزب المؤتمر من اجل الجمهورية والحزب الديمقراطي التقدمي يحتلون المراتب الثلاث الأخرى وراء حركة النهضة. ومهما تكن النتائج النهائية لهذه الانتخابات التاريخية والتي أكدت الصحف التونسية أن المنتصر فيها هي تونس فإن ظروف إجرائها لاقت الترحاب من كل العواصم العالمية التي هنأت عليها الشعب التونسي الذي صنع الحدث. وهي مواقف لخصها الأمين العام الأممي بان كي مون بالقول أن الانتخابات كانت خطوة هامة على طريق الانتقال الديمقراطي.