على الرغم من أن المناشير الوزارية تمنع العقاب البدني بالمؤسسات التربوية، إلا أن بعض المعلمين يعمدون إلى استعمال هذا الأسلوب بغية تخويف التلاميذ وحثهم على التزام الهدوء والانضباط في القسم، وإن كان هذا الأمر يعتبر مقبولا إلى حد ما في بعض الأطوار بالنظر إلى صعوبة التعامل مع بعض التلاميذ، إلا أنه أسلوب مرفوض رفضا قاطعا بالنسبة لتلاميذ الأطوار الابتدائية، لاسيما بالنسبة للذين اِلتحقوا بمقاعد الدراسة لأول مرة، وهو ما وقفت عنده ''المساء'' وطرحته للنقاش. ....''لا تضرب التلميذ ولو بزهرة ''....''نعم العصا يحملها المعلم ولا يضرب بها''... هي بعض الأمثلة التي يتذكرها عبد القادر ''ق'' أستاذ متقاعد أمضى شبابه في تلقين التلاميذ مختلف العلوم، في لقاء جمعنا به، حدثنا حول موضوع العنف الممارس ضد الأطفال بالأطوار الابتدائية قائلا: ''حقيقة هنالك بعض الممارسات التي تستخدم من طرف بعض الأساتذة، وما يحز في النفس أنها تستهدف الأطفال الذين يلتحقون بمقاعد الدراسة لأول مرة، ما يجعلهم يكوّنون فكرة خاطئة حول المدرسة''، وأرجع المتحدث لجوء بعض الأساتذة إلى استعمال العنف ''الضرب'' ضد التلاميذ إلى غياب التخصص، والإعتماد على التوزيع العشوائي للمعلمين على مختلف الأطوار التعليمية، إلى جانب قلة تكوين الأساتذة في الجانب البسيكولوجي للطفل، ويضيف قائلا: ''أذكر أن في السبعينات، السنة الأولى إبتدائي تحديدا كانت لا تمنح إلا للأساتذة الذين لديهم أقدمية في التعليم، أي كان يشترط فيهم أن يكونوا متزوجين وكبارا في السن، حتى يحسنوا بحكم أقدميتهم التعامل مع التلاميذ، لذا أعتقد بأن افتقار بعض المعلمين للخبرة وضعف في التكوين، والجهل بعلم نفس الطفل، كلها عوامل جعلت بعض الأساتذة يلجأون عند أول حركة يقوم بها الطفل إلى ضربه مباشرة''. ولدى تواجد ''المساء'' ببعض المدارس الإبتدائية المتواجدة ببوزريعة، احتكت ببعض الأولياء الذين تحولت مرافقتهم لأبنائهم إلى وظيفة دائمة، ولدى سؤالنا عما إذا كان أطفالهم يتعرضون للضرب، ردت السيدة فضيلة سريعا وقالت: ''تعرضت طفلتي للضرب مرتين على يد معلمتها؛ فالمرة الأولى كانت بسبب التشويش، أما المرة الثانية فبسبب نسيانها لكتابها، تصْمت قليلا وتضيف: ''هو أمر أتأسف له، لأن ابنتي رفضت بعدها الإلتحاق بالمدرسة وطلبت مني تغير القسم''، ابنتها مارية كانت بجانبها، دردشنا معها وقالت لنا بأسف: ''شعرت بالألم لأن معلمتي ضربتني فقط لأني كنت أتحدث إلى زميلتي''. وعندما سألناها بما ضربتها المعلمة، قالت: ''بالعصا''. وشاحت بنظرها إلى الجانب الآخر. حدثتنا مواطنة أخرى، والحسرة بادية على محياها، فجاء على لسانها: ''هذا ما كان ينقص الأطفال وهو الضرب''. وتشرح قائلة ''إلى جانب المعاناة التي تعيشها يوميا من جراء مرافقة أبنائنا من وإلى المدرسة، بات أولادنا يرفضون الذهاب للدراسة خوفا من المعلمين، وتضيف ''إبني حيوي وكثير الحركة، الأمر الذي جعل معلمته تضربه وتنعته بالمشوش، إلا أن ما تجهله المعلمة هو أن بضربها لابني، تولّدت عنده مشكلة أخرى تتمثل في رفضه الالتحاق بالمدرسة، حيث أنه تنتابه حالة من القلق والرعب مصحوبة بالبكاء، ما جعلني أغيّر له القسم. وتعلق قائلة: ''على الرغم من أن معلمته كبيرة في السن، إلا أنها لم تحسن التعامل معه وجعلته يكره المدرسة في سن مبكرة''. ومن جهته، حدثنا الطفل عبد الجليل الذي تعرض هو الآخر للضرب في الأيام الأولى من التحاقه بالمدرسة، حيث قال: ''لا أحب أن تضربني المعلمة بالعصا، وقد أخبرت والدتي فغضبت كثيرا من تصرف معلمتي''. وعن السبب الذي دفع بالمعلمة إلى ضربه، تقول والدة عبد الجليل أن ابنها نسي كتابه بالمنزل، وتسأل ''هل هذا مبرر لضرب طفل في السنة الأولى؟ بينما قال الطفل عبد السلام ببراءة: ''تضربني المعلمة كثيرا بالعصا وتقول عني أني ''قبيح''، لذلك أكره المدرسة ولا أحب معلمتي''. الأخصائيون النفسانيون يحذرون... وجمعيات أولياء التلاميذ يؤكد على التكوين تقول سليماني جميلة أستاذة بقسم علم النفس وعلوم التربية و الأرطوفونيا بجامعة بوزريعة، أن استخدام العقاب البدني (الضرب) ضد التلميذ في المدرسة يعود بنتائج سلبية على صحته النفسية والعقلية والبدنية، وقد تكون هذه النتائج قصيرة وبعيدة المدى''. وجاء على لسانها أن ''العديد من الدراسات النفسية أظهرت بأن الأشخاص الذين يتعرضون للضرب في المدرسة، يعانون من اضطرابات نفسية تمثلت في تدني تقدير الذات والقلق والاكتئاب والأفكار الانتحارية، بالإضافة إلى اضطرابات ما بعد الصدمة Post- traumatic، العزلة، التأخر في النمو وظهور السلوك العدواني، ولا تقتصر هذه النتائج على من تعرض من الأطفال بشكل مباشر للعنف، بل أيضاً لأولئك الأطفال الذين تعرضوا له بشكل غير مباشر''. وتضيف المتحدثة قائلة ''ينعكس عدم شعور الطفل بالأمان في المدرسة على علاقاته مع نفسه ومع الآخرين من التلاميذ والمعلمين والإدارة والعاملين بها، وإذا ما شعر بانتهاكات واضحة لحقوقه، فقد يعبر عن ذلك بغيابه عن المدرسة أو بسلوك عدواني أو غيرهما من الأساليب التي تتسبب في تدخل الأولياء لتغير القسم أو المدرسة، أو بالدخول في شجار دائم مع المعلمة''، وهذا ما لا يخدم التلميذ، بينما أرجع السيد أحمد خالد رئيس الاتحاد الوطني لجمعيات أولياء التلاميذ في اتصال هاتفي مع ''المساء'' السبب في اعتماد بعض الأساتذة على الضرب كوسيلة ردعية، لا يرجع إلى عدم درايتهم بالمناشير الوزارية التي وجدت منذ أكثر من عشرين عاما، والتي تمنع الضرب، وإنما يتعمدون فرض عقوبات جسدية على الأطفال بسبب عدم تلقيهم تكوينا جيدا، بدليل أن الأساتذة اليوم يتم إرسالهم من المعاهد إلى التدريس مباشرة بعد النجاح في مسابقة القبول''. إلى جانب تعرض بعض الأساتذة لأمراض نفسية وعصبية، وبالتالي فعدم تحكمهم في أعصابهم يجعلهم يتصرفون بعدوانية اتجاه الأطفال''، لذا يؤكد ذات المصدر على ضرورة الاهتمام أكثر بتكوين الأساتذة خاصة من الناحية السيكولوجية''. وأضاف محدثنا ''أن الضرب المدروس مفيد لبعض الأطفال الذين يتعمدون إثارة غضب الأساتذة، ويعيقون السير الحسن للدرس''. وتقترح الأستاذة سليماني الأخصائية النفسانية عدة حلول واقتراحات لتجنب ضرب الأطفال في مختلف الأطوار التعليمية، حيث قالت: ''الضرب لم ولن يكون أبدا أداة للتعليم أو وسيلة للتأديب''، وهناك بدائل تعلم التلميذ الإنضباط، فتضمن له كرامته كما تحفظ للمعلم هيبته، وفي ضوء ذلك، على المدارس أن تعمل على توفير الأخصائيين النفسيين والاجتماعيين المؤهلين في المدارس، والعمل على جعل بيئة المدارس ودّية وصديقة للطفل، خالية من العنف مع تنمية إدراكه لحقوقه في التعليم ذي النوعية الجيدة، وتعلم ما يحتاج إليه لمواجهة تحديات الحياة، إلى جانب توفير بيئة صحية وآمنة، تمنع العقاب والمضايقات، وتقديم الخدمات الاستشارية اللازمة. هذا دون أن ننسى -تضيف المتحدثة- ''تحفيز المشاركة في جوانب الحياة المدرسية جميعها، والعمل على احترام الطفل لحقوق الآخرين وكرامتهم حتى لا نلقي بكامل اللوم على الأستاذ، والسعي لإدخال مفاهيم العنف والإساءة في المناهج المدرسية، حيث يتم التركيز على المعلومات النظرية والعملية، والمخاطر التي تنتج عن العنف بمختلف أشكاله، لما لهذه الآثار من مخاطر قصيرة وبعيدة المدى، مع العمل أيضا على تدريب المعلمين والعاملين في المدارس على الاستراتيجيات المناسبة لضبط السلوك عند التعامل مع الأطفال بمختلف الأطوار التعليمية.