يعتبر مصطفى كاتب، أحد أبرز عمالقة الفنّ الرابع في بلادنا، حيث عاش حياة فنيّة حافلة بالعطاء على مدار خمسين سنة، عشق المسرح وفنّه حتّى النخاع فأبدع فوق خشبته... ولد مصطفى عبد العزيز أحمد كاتب بسوق اهراس في جويلية ,1920 نشأ وسط أسرة متعلّمة محبّة للثقافة، فقد كان أبوه محاميا وهذا ما دعّمه وعزّز قدراته ومواهبه الفنيّة، دخل مصطفى كاتب القسم التحضيري سنة 1925 كأوّل مرحلة تعليمية له بمدرسة باستور بمسقط رأسه، ليتدرّج إلى الصّف الابتدائي بمدرسة ماكس مارشان متخطيّا هذه المرحلة بنجاح، متحصّلا بذلك على الشهادة الابتدائية سنة ,1932 ليتنقل بعدها إلى عنابة رفقة جدّته والدة أمّه لمواصلة التعليم المتوسّط، ويكتشف ولأوّل مرّة المسرح من خلال عرض لفرقة بابا عزّ الدين المصرية... تنقل كاتب في سنة 1936 إلى الجزائر العاصمة رفقة والده لمواصلة تعليمه الثانوي، غير أنّه قرّر مغادرة مقاعد الدراسة رّغم تفوّقه لما كانت تمرّ به الجزائر، ملتحقا بفرقة المرحوم محيّ الدين باشطارزي عام ,1939 حيث أدّى المرحوم مصطفى كاتب أوّل دور له في مسرحية: '' الطبيب الصقلي''، لتليها مسرحيات أخرى منها: ''مريض الوهم''، ''ما ينفع غير الصّح'' و''بابا قدور الطماع'' وغيرها، ونظرا لما كانت تعيشه البلاد آنذاك، رأى كاتب من الواجب الانضمام إلى صفوف حزب الشعب الجزائري حيث كلّف بمهمّة الاتصال بالخلايا. أهمّ إنجازات مصطفى كاتب قبل الثورة أسّس مصطفى كاتب رفقة المسرحي علال المحبّ وعبد الله النقلي وسيد علي فرنندال الفرقة المسرحية التي حملت إسم: ''ألف باء'' وهذا سنة ,1940 وفي عام 1942 شارك مع فرقة الفنان محمّد التوري في العمل المسرحي: ''طبيب رغم أنفه'' وتنقّل والفرقة إلى العديد من المدن الجزائرية، ليقرّر الانقطاع عن العمل المسرحي بعد الحرب العالمية الثانية، ويعود إليه من جديد عام 1949 مؤسّسا فرقة: ''الفنّ الدرامي'' بالمسرح البلدي لمدينة الجزائر، فكان منسّقا وممثّلا ومخرجا للعديد من المسرحيات، منها على سبيل المثال لا الحصر: ''الدليل والكاهنة''... كما كان مخرجا للمسرحيات التالية: ''الأكاذيب''، ''عدوّ الشعب''، ''عنترة بن شدّاد''، ''في سبيل الوطن''... كما عدّ مصطفى كاتب مؤسّس فرقة المسرح العربي بقاعة الأوبرا رفقة محيّ الدين باشطارزي سنة ,1947 إضافة إلى تنشيطه في مطلع الخمسينيات فرقة المسرح الجزائري مقدّما مجموعة من الأعمال القيّمة منها: ''المجرم'' سنة 1951و''توبار'' سنة ,1952 ''السّحور'' سنة 1953و''مونسيرا'' سنة ,1954 وأحرزت الفرقة عدّة جوائز من خلال هذه الأعمال في مهرجان برلين للشباب، بوخاريست، فارصوفيا وموسكو. مصطفى كاتب مدير فرقة جبهة التحرير الوطني للمسرح احتواء أعمال مصطفى كاتب أفكارا ثورية تحرّرية، جعل الحكومة الفرنسية تسعى، قمعا وتخويّفا، لمنعها من العرض على الجالية الجزائرية بفرنسا، ومنعته وفرقته من دخول أرض الوطن، وذلك لمساندته جبهة التحرير الوطني سياسيّا، وخلال سنة 1956 استدعت قيادة جبهة التحرير الوطني مصطفى كاتب للالتحاق بها وتأسيس فرقة جبهة التحرير الوطني للمسرح التي ضمّت 38 عضوا وقسّمت الفرقة إلى قسمين: قسم للفنانين الممثلين، وقسم للفنانين المغنيين، ونصّب كاتب مديرا على رأسها وكان ذلك في 18 أفريل .1959 واستطاعت الفرقة بحسّها الوطني حمل صدى الثورة وشرعيتها لمعظم أنحاء العالم العربي والأوروبي من خلال عروضها منها: ''أبناء القصبة'' في ماي 1959 بتونس، ''الخالدون'' في 12 أفريل 1960 بالمسرح البلدي بتونس، ''نحو النور'' وهو عرض مسرحي مجسّد في لوحات فنية للكفاح الجزائري، و مسرحية ''دم الأحرار'' التي عرضت في 29 ديسمبر ,1961 وكلّها أعمال حملت بصمة المرحوم عبد الحليم رايس تأليفا ومصطفى كاتب إخراجا. إنجازات مصطفى كاتب بعد الاستقلال في الفنرة الممتدة من 1962إلى 1972اشتغل مصطفى كاتب مديرا عاما للمسرح الوطني، وتمكّن من رسم سّياسة ناجعة أساسها التكوين وزادها الثقافة وثمارها التأثير الفنيّ الإيجابي على الفرد والمجتمع. وقدّم عدّة أعمال منها: ''الحياة علم'' ,1963 ''الخالدون'' 1966و''الرجل صاحب النعل المطاطي'' 1972 و''الدراما تورج'' لكاتب ياسين... كما قام المرحوم مصطفى كاتب بإنشاء معهد الفنون الدرامية والرقص ببرج الكيفان ومجلة الحلقة عام 1972 التي صدر منها 3 أعداد.. ليتحوّل في هذه الفترة إلى وزارة التعليم العالي منصّبا مستشارا ثقافيّا، فقام بإلقاء محاضرات بين 1974 و,1982 كما أصدر مجلة الثقافة والثورة في 13عددا وأخرج مسرحيات للطلبة منها: ''عائشة أمّ الزبائل'' و''الزفاف الدامي'' وغيرها... في 1986 أوكلت إليه مهمّة النشاط الثقافي بالمجلس البلدي، فتمكّن من تأسيس 06 مركبات ثقافية، وفي سنة 1988 أسندت إليه إدارة المسرح الوطني الجزائري من جديد، فقام بتصحيح الوضع القائم آنذاك، عارضا مسرحيته الأخيرة:'' بايع راسو في قرطاسو'' للروائي سعد الله ونوس... لم تقتصر جهود مصطفى كاتب على المسرح فحسب، بل تعدته إلى السينما والبداية كانت بالفيلم الروائي: ''الليل يخاف من الشمس'' 1965 للمخرج مصطفى بديع، كما شارك في: ''ريح الأوراس'' 1966 مع لخضر حامينا. وفي1968 في ''حسن طيرو'' وكان له دور في فيلم ''العصا والأفيون'' لأحمد راشدي، وله تجربة فريدة في المسلسلات التلفزيونية كمخرج لمسلسل آسيا من 13 حلقة ,1980 وآخر مشاركة له كانت في فيلم: ''حسان نيّة'' 1988 للمخرج غوتي بن ددوش. وفاة مصطفى كاتب لكلّ بداية نهاية إذ يأتي الموت ويتوفى مصطفى كاتب في 28 أكتوبر 1989 بفرنسا، تاركا وراءه رصيدا فنيّا هادفا مشرّفا للمسرح وللوطن.