الممثل والمخرج والمؤلف امحمد بن قطاف، قال عنه الممثل عباس محمد إسلام، إنه فارس الخشبة دون منازع، صارم ومنضبط، تعلّم منه إقصاء كلمة ''تعب'' من قاموسه، وأن يكون الشخص فنانا هو خيار· أما الكاتب والشاعر عبد الرزاق بوكبة، فلم يجد ما يصف به شيخ المسرح الوطني، ولكن وعده أن يكتب كل ما يريد قوله له بعد تجربة 5 أو 6 سنوات من العمل معه، والممثلة منيرة وصفته بالأب الحنون الصارم، إنسان قبل أن يكون فنان، مرجعة الفضل في تجاربها إليه، في حين أصرّ نواشي، أستاذ في معهد العلوم الدرامية، على بن قطاف لكتابة مذكراته وحكاية عشق عمره 50 سنة مع المسرح· يقول شيخ المسرح الجزائري ومدير المسرح الوطني، امحمد بن قطاف، إن مشواره الفني صنعه بيده ولم يطلب منه أحد الانخراط في الحركة الثقافية، وهو على الأرجح ما دفعه ليفسح المجال أمام أبنائه ليختاروا بحرية مهنتهم دون أن يكون لخلفيته الفنية تأثير عليهم، ''والدي لم يتدخل في اختياري للتمثيل وأنا لم أتدخل في خيارات أبنائي وكلهم بعيدون عن الوسط الفني، رغم احتكاكهم بالمسرح منذ نعومة أظافرهم والحرص على متابعة المسرحيات التي يعرضها المسرح الوطني، إلا أنهم اختاروا حياة مهنية بعيدة عنه''· 50 سنة من العطاء الفني كان فيها المؤلف والممثل والمخرج، ولم يطلب فيها دورا معينا ''المهم أنني كنت أجد اسمي ضمن قائمة الممثلين''، هكذا مرت سنوات إبداعه التي ارتأت جمعية منتدى الكلمة أن تتقاسمها مع كل من عرفه ومن يريد معرفة نبذة عن مشواره الفني· خطأ في الموعد يحوّل بن قطاف إلى عملاق في المسرح ''لم أتصور أن أكون فنانا أو أنتسب إلى المجال الثقافي أو أنخرط في أي حركة ثقافية، رغم حبي للغناء وامتلاكي بشهادة أصدقائي صوتا واعدا، فقد عملت الكثير من المهن وتصورت أنني سأتخذ إحداها مجالا لتخصصي''، بهذه الكلمات بدأ الشيخ بن قطاف يروي قصة لقائه وعشقه للتمثيل الذي لم يكن أبدا في مخططاته· ويضيف المتحدث ''كانت الإذاعة الوطنية في 1963 تبحث عن مواهب غنائية لتشكيل فرقة الإذاعة الموسيقية، فذهبت للاشتراك بتشجيع من الأشخاص المحيطين المقتنعين بأن صوتي جميل، قصدت الإذاعة في اليوم المحدد ودخلت إلى موقع إجراء الاختبار لأتفاجأ بأشخاص يعطونني نصا لأقرأه ويطلبون مني تجربة تمثيل، فاكتشفت أنني أخطأت في الموعد وأن اليوم الذي ذهبت فيه هو الخاص باكتشاف المواهب التمثيلية''· ويقول سي امحمد، إنه بعد نجاحه في اختبارات الأداء أصبح ممثلا متربصا ل 6 أشهر ما فتح له الباب لدخول الإذاعة، ''وتعرفت فيها على أشخاص كنت أسمع بهم فقط من خلالها، وأصبحت دون سابق إنذار أعمل معهم وأنهل من نبع خبراتهم وتجاربهم الفياض''· ويشير بن قطاف إلى أن أول معلم حظي به في هذا المجال هو محمد ونيش الهادئ والسخي ''أكستني تجربتي معه 10 سنوات خبرة عند ولوجي إلى عالم المسرح، من خلال نصائحه وشرحه لنا للأدوار، ما دفعني للعمل بكد وبحب لمجال عملي، والمهم عندي كان أن يكون اسمي على قائمة الممثلين في أي مسرحية إذاعية، وأذكر أنني عند دخولي باب الإذاعة كنت أبحث عن عمل مؤقت حتى التقيت بحبي حياتي وهو المسرح''· ''بلا عنوان'' تأشيرته إلى خشبة المسرح أول لقاء مع خشبة المسرح يقول سي امحمد في فيفري ,1965 حين كتب الراحل محمد حلمي مسرحية ''بلا عنوان'' وكان يبحث لتأديتها عن ممثلين يتقنون اللغة العربية، ووزع الأدوار على ممثلي الإذاعة، كان أحدها من نصيب شيخ المسرح الجزائري· وبعد المسرحية الأولى توالت العروض على بن قطاف ''خاصة وأن العديد ممن اشتغلت معهم أجمعوا على أن صوتي يصلح لممثل مسرحي، واشتغلت في حوالي 80 مسرحية كان لي الدور الرئيسي في 60 إلى 70 بالمائة منها''· ويرجع امحمد بن قطاف الفضل في رصيده الثقافي إلى العملاق مصطفى كاتب، لو لا هذه الشخصية العظيمة لما كان بن قطاف ولا الممثلين الحاليين، يكفينا أنه مؤسس معهد الفنون الدرامية''· رواد المسرح ذهبوا وإنتاج جيل جديد واجب ويراهن بن قطاف على الشباب الصاعد لاسترجاع أمجاد المسرح الجزائري، ويعتبره طوق ''الشباب هم المستقبل وهم المسرح، لديهم طاقة إبداعية كبيرة، وأنا متيقن أنه سيصنع ربيع مسرحه بنفسه، عمالقة المسرح الجزائري رحلوا لكننا لن نبكي على أطلالهم ولكن واجبنا إنتاج شباب يحمل الرسالة بعدنا·· من بقي منا شاخ وقل مردوده ورهاننا على الجيل الصاعد''· ويشير المتحدث إلى أن توريث هذا الفن إلى الجيل الشاب وراء فتحه أبواب المسرح الوطني أمام طلبة المعهد الوطني للفنون الدرامية للتطبيق على أرض الواقع، ''لم يكن لديّ خيار، نحن واقعيون، العمالقة الذين صنعوا المسرح الجزائري في السابق لم يعودوا موجودين، هل ننتظر 30 أو 40 سنة لإنتاج جيل آخر من العمالقة أو نفتح الأبواب أمامهم للصعود ويسطع نجمهم خاصة أن لديهم قاعدة أكاديمية''· 2003 عودة أمجاد المسرح يقول بن قطاف، إنه عندما دخل المسرح الوطني مديرا في 2003 ''لم أجد مسرحية واحدة أقدمها للجمهور ولم أجد فرقة مسرحية وإنما 8 ممثلين ينتظرون من يستثمر طاقاتهم، والسبب يعود إلى تراجع الإقبال على المسارح خلال تسعينيات القرن الماضي وبداية الألفية الجديدة بسبب الأوضاع التي كانت سائدة في الجزائر''· ويضيف إنه ارتأى أن تكون أول مسرحية يقدمها المسرح الوطني بعد عودته للأطفال، ولكني برسالة موجهة للمهتمين بهذا الفضاء الثقافي، لفتح المجال أمام الشباب ليمثلوا، خاصة وأن المسرحية كانت من تأليف وإخراج وتمثيل شابة واعدة· ويشير إلى أن المسرح الوطني يشهد فترة ازدهاره منذ ذلك الحين، حيث تمكنوا من إنتاج 45 مسرحية بمعدل 3 مسرحيات في السنة، و30 فرقة مسرحية دائمة و120 إلى 130 عرض مسرحي خارج النشاطات الأخرى المتمثلة في الغناء والموسيقى· ويفتخر بن قطاف بارتفاع معدل عدد المتفرجين إلى 115 ألف متفرج في السنة، إلى جانب مشاركة المسرح الوطني والمسارح الجهوية في تظاهرات عالمية، وحصدها لجوائز معتبرة· وفي السياق نفسه تحضير برنامج ثري السنة المقبلة بمناسبة مرور 50 سنة على الاستقلال تتناول شخصيات تاريخية صنعت مجد الجزائر، داعيا الشباب من مؤلفين وممثلين إلى التقدم بعروضهم في هذا الصدد، وكذا فيما يخص هموم ومشاكل الجيل المعاصر ''والدعوة مفتوحة لكل شباب الجزائر وليس العاصمة فقط''· لدينا نصوص ولكن الأقلام جافة وحول ندرة النصوص، يقول بن قطاف، إن المشكل ليس ندرة النصوص ولكن الأقلام الكسولة ''لدينا أزمة مؤلفين مسرحيين، أغلب المسرحيات التي يقتبسها المؤلفون تجدهم إما مخرج العمل أو الممثل، وهذا المشكل ليس خاصا فقط بالجزائر، فتحنا المجال أمام الشباب لكتابة النصوص المسرحية ك ''قرصة'' للكتاب الكبار في الجزائر ليكتبوا لنا· وفي السياق نفسه، تساءل الشيخ عن سبب ''اختفاء'' المسرح الجامعي، واصفا هذا بإحدى نكسات المسرح الجزائري، ''في وقت مصطفى كاتب كان المسرح الجامعي موجودا، في الجامعة نجد الرؤية واللغة وعمق التفكير ويمثل الصورة الحقيقية للمجتمع هي صورة النخبة''، ملحا على ضرورة عودة المسرح الجامعي، ''هناك بعض المبادرات من قبل بعض عمداء الجامعات مثل جامعة السانية بوهران، ولكن الأفضل أن تكون مؤطرة في جميع الجامعات الجزائرية، لأن المسرح الوطني لا يستطيع عمل كل شيء، وأوجه هذا النداء إلى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي''·