دعا مجاهدون إلى أهمية التعريف بالتاريخ وتنظيم ندوات باستمرار للحديث عن تاريخ الجزائر، خاصة إبان الثورة، بالاستعانة بشهادات حية لمن عايشوا وصنعوا الحدث لنقل رسائل صحيحة للأجيال الصاعدة بعيدا عن تزييف الحقائق، كما طالبوا بكشف كل الحقائق عن الثورة والضغط على فرنسا وإرغامها على الاعتذار للشعب الجزائري عن الجرائم التي نفذها في حقه طيلة 132 سنة من الاحتلال. المجاهدة جوهر كرور؛ واحدة من بطلات الجزائر المحكوم عليهن بالإعدام والتي شاءت الأقدار ولا تزال حية ترزق ونعمت بنور الحرية بعد ظلام سجن بربروس وعذابه الأليم، حيث دخلته لدورها الكبير وكانت رمزا للمرأة الجزائرية ومفخرة للجزائر، حيث كلفت بنقل الأسلحة لجيش التحرير ووضع القنابل في أماكن تواجد الفرنسيين. التحقت المجاهدة بصفوف الثورة سنة 1956 وعمرها لم يتجاوز 16 سنة بالجزائر العاصمة بعد أن كانت تتلقى تكوينا بمدرسة الممرضات التي الحقت ثلاثا من متربصاتها بالثورة مثل ''زهية'' و''حرية'' اللتين التحقتا بالجبل لمعالجة المجاهدين والتكفل بالجرحى. شابة في ال 17 من العمر تضع القنابل وتنقل الأسلحة روت المجاهدة كرور ل''المساء'' كيف كانت لها الشجاعة في حمل الأسلحة ووضع القنابل؛ مستغلة شبابها وابتسامتها في تنفيذ هذه العمليات الصعبة حتى لا يتفطن لها أحد رفقة زميلها البطل رحال بوعلام صاحب 19 سنة الذي نفذ في حقه حكم بالإعدام بعد اكتشاف أمرهما وإيداعها السجن لصدور نفس الحكم في حقها، غير أن القدر شاء أن يأتي الاستقلال قبل أن ينفذ عليها هذا الحكم. وألقي عليهما القبض بعد اكتشاف أمرهما بأنهما منفذا عملية تفجيرية بملعب العاصمة، حيث ألقت القوات الفرنسية القبض على الشهيد رحال بوعلام عند خروجه من عند غسال الملابس وفي يده معطف عثروا بداخله بعد تفتيشه على تذكرة للملعب، الأمر الذي بينّ أنه دخل الملعب ولم يبق هناك ليشاهد المقابلة، وعند القبض عليه مباشرة توجهوا إلى منزل المجاهدة جوهر كرور وأوقفوها لتودع سجن بربروس بعد أن حكمت عليها المحكمة الفرنسية بالإعدام. وبألم كبير؛ روت لنا المجاهدة مرارة العذاب الذي تلقته في السجن رفقة بطلات الجزائر أمثال جميلة بوحيرد، باية حسين، وجاكلين قروج الفرنسية الأصل التي التحقت بالثورة ودعمتها وتزوجت بجزائري وكانت لها طفلة أيضا التحقت بالثورة في الجبل. وبالرغم من معاناة التعذيب؛ أكدت محدثتنا أن السجينات كن دائما يتشاجرن مع حراس السجن ولم تكن متسامحات مع كل من يحاول المساس بكرامتهن أو يهين الجزائر وواصلن نضالهن حتى داخل السجن. وبعدها نقلت المجاهدة رفقة باية حسين إلى سجن آخر بوهران لتفريقهما عن باقي السجينات لصعوبة التحكم فيهن بسجن بربروس بعدما رأى حراس السجن جو التضامن والوحدة الذي كان يجمعهن. وأدى توقيف المجاهدة إلى استفزاز أختها الصغرى التي كانت تعمل لصالح الثورة أيضا وملاحقتها إلى غاية توقيفها وسجنها، وكذا استفزاز عائلتها، حيث كان العدو الفرنسي يتنقل دائما إلى منزلهن ويشتم والديهما ويضغط عليهما بسبب وقوف بنتيهما إلى جانب الثورة. وذكرت محدثتنا أن المجاهدات والمجاهدين دفعوا ثمن الحرية غاليا؛ لذا فلا يهنأ لهم بالٌ حتى يروا فرنسا تعتذر اعتذارا رسميا للشعب الجزائري عن الجرائم التي نفذتها في حقه والتي لا زالت أعراضها إلى اليوم، وهو الاعتذار الذي يبقى رمزيا فقط على حد قولها لأنه مهما ستفعل لا يمكنها أن ''تعيد لنا شهداءنا، شبابنا الذي ضيعناه في السجون، وصحتنا التي تدهورت بسبب التعذيب''. المجاهد أورمضان: الحديث عن الثورة لايجب أن يكون حبيس المناسبات المجاهد خير الدين أورمضان الذي كان نقيبا في صفوف جيش التحرير الوطني ورئيس المنطقة السادسة خلال الثورة المسلحة، التحق بصفوف الثورة التحريرية سنة 1955 وهو في سن المراهقة، وأخبرنا أنه كان صغيرا يسمع دائما عن وجود حرب ضد فرنسا التي جردت الشعب الجزائري من أدنى حقوقه وسلبت ثرواته، ففكر بالالتحاق بالجبل لمحاربة العدو واسترجاع حقوق الجزائريين وهويته من لغة ودين. وأشار المجاهد إلى أن الإرادة تصنع المعجزات؛ حيث تمكن شباب صغار حفاة وعراة لا يملكون أي إمكانيات أو أسلحة من مواجهة الجيش الفرنسي المدعم بأحدث الأسلحة آنذاك من بلاده التي كانت تعتبر القوة الثالثة في العالم، وتمكنوا من تحقيق عدة انتصارات كبدت الجيش الفرنسي خسائر بشرية ومادية. وعن أهم المعارك التي شارك فيها المجاهد أورمضان معركة ''حيونة خردوش'' بضواحي تيبازة؛ تمكن فيها المجاهد ورفاقه من القضاء على ثمانية عسكريين فرنسيين، وردت عليهم فرنسا باعتقال ثلاثة مجاهدين. ومن المعارك الصعبة والناجحة أيضا، التي شارك فيها محدثنا معركة ''قورنو'' بجبال المدية التي شاركت فيها أربع كتائب لجيش التحرير الوطني منها كتيبة الحمدانية التي كان المجاهد عنصرا فيها والتي ألحق بها جيش التحرير خسائرا بالعدو الفرنسي، وفقد 24 شهيدا في اشتباك وتبادل لطلقات الرصاص بين الجيش الفرنسي وجيش التحرير الوطني. واسترجع المجاهد أورمضان ذكريات مشجعة لمعركة كان أبرز قادتها بنواحي بابا حسن والسحاولة بالجزائر العاصمة كونها تعتبر مفخرة للثورة، وهي المعركة التي كانت بمثابة انتصار معنوي؛ شجع على مواصلة مثل هذه العمليات بفضل تمكن قادة المعركة من الإطاحة بأحد أكبر ضباط الجيش الفرنسي بالمنطقة كان يقود العمليات العسكرية بضواحي العاصمة. وهي المعركة التي أسالت الكثير من الحبر في الصحافة الدولية الصادرة بين يومي الرابع والخامس أكتوبر سنة 1961 والتي طرحت العديد من التساؤلات عن الاستراتيجية التي تبناها المجاهدون حتى تمكنوا من الإطاحة بهذا الضابط وقتله، علما أن الإطاحة بهذا الضابط الذي كان يمثل الرأس المدبر للهجمات العسكرية الفرنسية بالعاصمة كلفت جيش التحرير التضحية بثلاثة شهداء سقطوا في ميدان المعركة خلال هذا الاشتباك العنيف الذي استغرق ساعات طوالا. وفي هذا السياق؛ طالب محدثنا بضرورة الحفاظ على التاريخ ونقل هذه الرسائل للأجيال الصاعدة حتى يعرفوا تضحيات أجدادهم ويعيدوا الاعتبار لهذا التاريخ من خلال التشبع بقيم الوطنية لحماية الوطن والتصدي لكل محاولات المساس به لأنه ''جوهرة نعتز بها؛ حريتها كلفت ثمنا دفعنا ثمنه غاليا''، كما دعا المجاهد السلطات العليا إلى تخصيص برنامج وميزانية لتنظيم ندوات ومحاضرات تاريخية باستمرار حتى لا يكون الحديث عن الثورة حصريا في المناسبات، وتعيين أشخاص ممن عايشوا الحدث لروايته بكل موضوعية وصدق لايصال الرسالة الصحيحة دون تزيين الحقائق قصد تمكين المؤرخين من كتابة تاريخ الثورة المجيدة التي تعد أكبر ثورة في العالم يضرب بها المثل عند الحديث عن الحركات التحررية. وأوضح أن مكتب منظمة المجاهدين بالعاصمة الذي يتولى منصب أمين عام له؛ يملك عدة كتب تضم شهادات حية وغير مزيفة أدلى بها مجاهدون شاركوا في الثورة وتم التأكد من صحتها، يمكن للمنظمة أن تجعلها في متناول من يريد الاطلاع عليها. المجاهد سعيد بوراوي:نطالب بكشف كل حقائق الثورة ذكر المجاهد سعيد بوراوي الضابط في صفوف جيش التحرير، ورئيس جمعية 11 ديسمبر 1960 التاريخية أنه التحق بالثورة سنة 1955 عندما كان شابا منخرطا في نادٍ رياضي احتك بأشخاص من الحركة الوطنية حدثوه كثيرا عن الثورة وأهدافها مما حفزه على الالتحاق بها بعد إضراب الثمانية أيام، حيث تجند في تنظيم العاصمة الذي أرسله رفقة 150 شخصا آخر لتدعيم صفوف الجهاد بوهران وعين تموشنت، حيث تمركزوا في التنظيم الذي كان يدعى ''الكومندوس'' بجبال زكار في منطقة الونشريس، والذي هو عبارة عن أكاديمية متنقلة تكوّن إطارات من جيش التحرير الوطني، وهنا شارك الضابط بوراوي في معارك كبرى وتنصيب كمائن للإيقاع بجيش العدو. وفي مطلع سنة 1959؛ توجه الضابط المجاهد للصحراء وشارك في عدة اشتباكات ومواجهات ضد الجيش الفرنسي، والتحق بالمكان الذي استشهد فيه البطالان، العقيد عميروش وسي الحواس في اليوم الثاني بعد استشهادهما وبقي هناك من شهر مارس إلى أوت من نفس السنة، وفي اليوم الثاني بعد المعركة التي استشهد فيها البطلان؛ اندلعت معركة أخرى مع العدو الفرنسي أصيب فيها المجاهد سي العربي الذي ينحدر من منطقة شرشال والذي كان قائدا للكومندوس بالمنطقة بجروح خطيرة، كما شارك الضابط بوراوي في عده معارك أخرى منها معركة جبل ''وجه البطل'' التي قال إنها من أصعب المعارك، دامت من مطلع الفجر إلى غاية غروب الشمس ولم تتوقف فيها طلقات الرصاص طيلة اليوم. وبعدها عاد المجاهد بوراوي إلى جبال الونشريس ليتحق في شهر سبتمبر 1959 بالعاصمة ضمن الفوج الأول الذي عاد لهذا التنظيم الذي أصبح تحت لواء الولاية التاريخية الرابعة بعد أن طالبت هذه الولاية من الحكومة المؤقتة إلحاق العاصمة بها لإعطائها تنظيما أكبر كون المجاهدين بالجزائر العاصمة لم يكونوا منظمين في ولاية معينة بل كان كل واحد منهم يعمل بالتنسيق مع الولاية التي ينحدر منها. وفي 25 نوفمبر 1960 بدأت مأساة المجاهد بوراوي بعد الاشتباك المسلح الذي شارك فيه في ساعة متأخرة من الليل بين منطقة بني مسوس وزواوة بالعاصمة عندما تمكن جيش العدو الفرنسي من العثور عليهم في مخبئهم الذي نفذوا منه عمليتهم هذه، وخلال تبادل طلقات النار بين المجاهدين والجيش الفرنسي أصيب المجاهد بوراوي بجروح استدعت إخضاعه لعملية جراحية رفقة ثلاثة آخرين من رفاقه فيما استشهد اثنان من عناصر التنظيم. وهنا بدأ الجحيم الحقيقي -مثلما وصفه- عندما نقلته فرنسا إلى سجن ''موران'' بمنطقة بوغار بقصر البخاري -ولاية المدية-، الذي يعتبر من السجون الأكثر مرارة لشدة شراسة حراسه وغياب أدنى حقوق الإنسان فيه، وهو السجن الذي ذاق فيه رفقة عدد كبير من المجاهدين الذين حكم عليهم بالإعدام ويلات التعذيب والاحتقار والشتم الذي كان يستهدف الجزائريين الذي رغم كل ذلك لم يستسلموا للعدو وظلوا يدافعون عن وطنهم ويواجهون هؤلاء الحراس ويرددون النشيد الوطني وراء القضبان داخل زنزانات التعذيب إلى غاية الاستقلال.