عرف اندلاع الثورة التحريرية بالجزائر العديد من الإفرازات والتداعيات واختلفت حولها الآراء والمواقف لدى الفرنسيين بين مؤيد ومعارض لها. فكان من المؤكد ان تلقى ثورة نوفمبر 1954 معارضة كبيرة نظرا للمصالح الفرنسية بالجزائر إلا ان انجاز الحركة الوطنية سيما على الصعيد المسلح استطاعت ان تنال إعجاب وتأييد الفرنسيين أنفسهم بحيث اعترف الكثير منهم بأنه بالرغم من الإمكانات البسيطة للثوار إلا ان الانجازات المحققة كانت كبيرة بالنظر إليها. هذا الاستعمار سعى البعض بهتانا إلى تمجيده وتعظيمه في محاولة لتزييف التاريخ وعدم الاعتراف بما اقترف من بطش وإبادة في حق الشعب الجزائري، ولكن التاريخ، ومهما أنكر هؤلاء جرائمهم الشنيعة التي قاموا بها أثناء الحقبة الاستعمارية في حق الثوار، فان التاريخ يأبى ان تحرف صفحاته الخالدة وتأبى الذاكرة ان تمسح الحقائق القاسية. في هذا الاطار جاءت شهادات المجاهدين والمؤرخين ل «الشعب» على هامش الندوة التاريخية التي انعقدت اول امس بمركز الصحافة المجاهد بمناسبة الذكرى 57 للفاتح من نوفمبر 1954 قائلين «ان الثورة التحريرية كانت مادة خام لكثير من الكتاب الفرنسيين الذين حولوا نزاهة الثورة إلى تحريف وتزييف للحقائق في صفحاتهم»، واضافوا «أن الروائيين الفرنسيين قللوا من قيمة تضحيات ونضالات الثوار التي توجت في الأخير بانتصار والنصر لا يتجزأ». وتساءل المجاهد حسين دودو في تصريح ل (الشعب) عن سبب افتقار المكاتب الجزائرية إلى موسوعات توثق تاريخ الثورة التحريرية مؤكدين ان كتابات ودراسات المؤرخين الفرنسيين فيما يتعلق بالثورة لا يمكن الاعتماد عليها كمراجع يستند إليها بل يجب استغلالها فقط للاطلاع ومعرفة وجهة نظر الفرنسيين الذين يسعون إلى تحقيق مصالحهم بخصوص الثورة. وفي نفس السياق قال لنا المجاهد صالح بن القبي «حان الأوان لكي نكتب تاريخنا بأنفسنا وننفي ما روج إليه بأن ديغول هو من قدم الاستقلال للجزائر وذلك للقضاء على التشكيك في نزاهة الثورة». وأضاف أيضا «لنا الآن مثقفين وكتاب يستطيعون توصيل مجريات الثورة إلى شباب المستقبل لكي يكونون على دراية بتاريخهم، وان الثورة التحريرية قادوها أناس محترفين ناضلوا وكافحوا في سبيل تحقيق الحرية والاستقلال لهذا البلد». وذكر العديد من الذين خدموا الثورة وعايشوا الجرائم التي ارتكبت في حق المجاهدين جملة من الشهادات الحية من بينهم المجاهد بن صدوق وعرجاجي محمد بحيث رووا المعاناة التي عاشوها أثناء الثورة التحريرية مؤكدين ان انطلاق الثورة المسلحة هو الأمر الذي لم يهضمه الفرنسيون وجنرالاتها الذين سعوا بكل ما أوتوا من قوة من اجل وقف تيار التاريخ في الجزائر والإبقاء على هذا البلد تحت قبضتهم وجعله جزء لا يتجزأ من ترابهم. وهو ما جاء في نصوص بعض الكتاب الجزائريين الذين أماطوا اللثام في كتاباتهم عن الجرائم الشنيعة التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي في حق الجزائريين بحيث قدموا طروحات غاية في الأهمية مفندين جُملة من الأباطيل التي نشرها جنرالات فرنسا التي هدفوا من خلالها إلى تزييف حقائق الجرائم المرتكبة من خلال استناده لشهادات حية خاصة بشخصيات وكتّاب وسياسيين وأناس عايشوا الجرائم واكتووا بنارها. والى جانب ذلك هناك كتاب للمؤرخ الجزائري سعدي بزيان والذي حمل عنوان «ثورة الجزائر 1954 1962 بحيث جاء فيه مذكرات لجنرالات فرنسا»، مؤكدا أن معظم الجنرالات الذين كتبوا شهاداتهم أعطوا صور مشوهة و مزيفة عن جيش و جبهة التحرير، وأن الجيش الفرنسي ما جاء للجزائر إلا ليعيد الأمن و الطمأنينة إلى السكان الأوروبيين و المسلمين معا، وإنقاذهم من عدوان جبهة التحرير. ومن بين الكتب الفرنسية نجد كتاب للجنرال ماسو حول «معركة الجزائر الحقيقية»، بحيث قدم فيه ضحايا من جبهة التحرير الأوروبيين وتناسى فيه الجرائم التي مورست ضد الشعب الجزائري. وبعد استعراض بعض المؤلفين الجزائريين لجملة من الشهادات صبت في مجملها ان جميع جنرالات فرنسا الذين تعاقبوا على الجزائر منذ الاحتلال إلى الاستقلال يشتركون في مبدأ واحد وهو القضاء على روح المقاومة لدى الشعب الجزائري وتجريده من كل مقومات الحياة. وهي مقاومة تستدعي جهودا كبيرة للتعريف بها واطلاع الآخر برسالتها. وتشمل الجهود بالإضافة إلى الكتب والمذكرات توظيف قطاع السمعي البصري بصفة موسعة في كشف حقائق كثيرة غائبة. يكفي إعطاء أمثلة عن فيلم «الخارجون عن القانون» ل «رشيد بوشارب» للتأكيد على مدى ثقل السينما في التعريف بالقضية الجزائرية للرأي العام الفرنسي الذي يجهل كم هي فضيحة جرائم دولته إبان الحقبة الاستعمارية الطويلة.