دعا الأستاذ محمد بن عمرو الزرهوني الوزير الأسبق و مستشار رئيس الجمهورية الجهات المعنية لبعث حركة وطنية مخطّطة لجمع التراث الأدبي الوطني وتدوينه بإقامة جوائز ورصد حوافز مالية لتحريك همم القادرين على الاضطلاع بهذه المهمة المنشودة تحت رعاية وزارة الثقافة والبلديات ودور الثقافة والجامعات وغيرها من المؤسّسات الكفيلة برعاية العملية، وقال ''أعتقد أنّنا لو صمّمنا جماعيا على إنجاز هذا الجمع ، لا محالة أنّنا سنفرغ منه في مدة لا تزيد عن خمس سنوات وذلك لتوفّر القدرات والإمكانيات في سائر أنحاء الوطن". واعتبر الأستاذ محمد بن عمرو الزرهوني إدراج الطبعة الثانية من ''كناش السي إدريس ابن رحال، أشعار من الموزون والملحون'' ضمن الكتب التي ستصدرها وزارة الثقافة عبر دار النشر ''هومة'' تحت لواء تظاهرة ''تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية''، خطوة جميلة سيحتسبها هواة الشعر الشعبي وستكون ثمرة للنهج الذي سارت عليه السياسة الثقافية الجزائرية منذ ,1999 وأضاف أنّ هذا النهج تحرّك بفضله الإحياء الفعلي الملموس لكلّ ما يمتّ بالصلة إلى هويتنا الجزائرية وثقافتنا الوطنية. وأوضح الأستاذ الزرهوني الذي عمل على تحقيق نصوص ''كناش السي إدريس ابن رحال، أشعار من الموزون والملحون'' وإتمامها وكذا إعدادها للنشر، أنّ ما ساقه لإعداد الطبعة الثانية من هذا المصنّف هو تكرّم وزارة الثقافة بإدراج هذا المؤلف الشعبي من بين الكتب الجزائرية البحتة التي أرادت أن تصدرها بمناسبة تظاهرة ''تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية''، ويضيف السيد الزرهوني عن المؤلف أنه كتاب مهمّ ينطوي على ما انتخبه السي إدريس ابن رحال من أجود قصائد الملحون الجزائري والمغربي التي كان يغنّيها في الحفلات والولائم العائلية، ومن ثمة فهو يصلح ليكون كناشا لكلّ شبابنا هواة الغناء الشعبي الذين ليس لهم كناش". كما يعدّ السي إدريس ابن رحال مرجعا فارقا في ساحة الموسيقى الحضرية الجزائرية وفنونها، حيث كان رئيس فرقة شهد له معاصروه بطول الباع في إتقان فنه وسعة معرفته بأسراره، كما دخل في عداد أعلام ندرومة في القرن العشرين، لا لأنّه سليل أسرة حسيبة مشهود لها في رفع لواء طلب العلم ونشره والذود عن الانتماء الجزائري والتمسّك بالهوية الوطنية، وإنّما لأنّه اضطلع برسالته، فنانا ومثقفا على أحسن وجه، وما زال الندروميون يضربون ب''أحكام السي إدريس'' المثل في الجد وحب الإتقان والنفور من الرداءة والتهاون. وأكد جامع ديوان الشيخ قدور ابن عشور الزرهوني أنّه يعتبر استعادة الذاكرة الجماعية الوطنية بجملتها عاملا لا مناص منه لترميم تماسك شخصيتنا الوطنية وإعادتها إلى سكّة التطور السوي، مستطردا بقوله: ''الشعر الشعبي هو أحد أوعية الذاكرة الجماعية الوطنية وجزء من ذلكم الأدب الذي كان لا أدب لنا سواه طيلة أحقاب مديدة من الزمن من عصر ابن خلدون إلى عصر الإمام عبد الحميد ابن باديس''، وأوضح أنّ اهتمامه بالشعر الشعبي راجع لكون هذا النوع من الشعر عبَّر وما زال يعبِّر أحسن تعبير عن التَّمَيُّز الجزائري وفلسفة الحياة الجزائرية، ولكونه عانى الإهمال والدونية وكان وما يزال يحتاج إلى المئات من أمثاله لكي يستعيد اعتباره ويجد مكانه الطبيعي ضمن الأدب العربي الجزائري القديم والمعاصر كمادة للدراسة ومرجع لكتابة تاريخنا الاجتماعي. وأكّد الأستاذ الزرهوني، المشهود له إسهامه الفردي في جمع التراث الشعري الشعبي الجزائري وإنقاذه من الاندثار، أنّ الجزائر قطعت منذ الاستقلال أشواطا بعيدة في طريق ''رد الاعتبار لكلّ ما هو إبداع الشعب بلغتي الشعب العربية والأمازيغية''، وذلك يتجلى فيما تقوم به وزارة الثقافة منذ سنوات، في مجال تحريك عجلة إحياء التراث الشعبي وتوظيفه في تخصيب الابداع الثقافي الوطني عموما، ومن خلال تجاوب الناشرين وإقبالهم على الإسهام -من جانبهم- في طباعة الأدب الشعبي ونشره، وهو ما يشجّع الشعراء الشعبيين على نشر دواوينهم مثل شعراء الفصيح. الأستاذ الزرهوني تحدّث أيضا في حواره مع جريدة ''المستقبل'' عن المساعدة التي يجدها لدى خزّان المخطوطات والنصوص المدوّنة ولدى ورثة المؤلّفين، حيث أشار إلى أنّها منعدمة أو تكاد؛ لأنّ أغلب الحائزين على النصوص المخطوطة ''بُخلاء'' يتركونها حبيسة أدراجهم أو محجوبة في خزاناتهم عن ذوي الكفاءات القادرين على تعهدها بما يلزم من تصحيح وتنقيح قبل نشرها، ومن ثمة إتاحة ايصالها إلى الجمهور العريض، وشدّد على ''أنّ الشعب هو أحق من يرث التركة الأدبية لشعرائه، أما الوارث البيولوجي العاجز عن ايصال المؤلّفات إلى عموم الشعب فإنّه يبقى ملزما بإيداعها بين أيدٍ أمينة وقادرة على تبليغ رسالة المؤلّف، ويكون حكمه حكم الجاني إن هو امتنع أو توانى عن تبليغ الأمانة". في هذا الصدد؛ أشار الأستاذ الزرهوني إلى وجود من يُصِرُّ من الورثة البيولوجيين عهودا طويلة على احتكار المؤلفات المخطوطة وغيرها إلى أن يرحل الجيل بعد الجيل ويطوي النسيان ذكر مُوَرِّثهم، ويذهب بذلك كلّ أثر لابداع المبدع، مؤكّدا ''أنّ استمرار هذا الوضع لمَن قبيل المنكر الصريح، فلا بدّ من إيجاد نصّ قانوني يُسَوِّغ حمل الورثة البيولوجيين على التنازل للدولة، بلا تأجيل أو تسويف، سواء بالمقابل أو بالمجان، عن المؤلفات والوثائق المتضمّنة الإنتاج الأدبي للمؤلفين أو سيرتهم، حتى لا يستمر ضياع نفائس آدابنا بسبب جهل هؤلاء بقيمتها وأهمية بقائها بالنسبة لحفظ ذاكرة المؤلف وجيله ووصولها إلى الأجيال اللاحقة". الأستاذ الزرهوني، الذي تفوّق كما وكيفا في مجال جمع التراث الشعبي الجزائري من خلال إثراء المكتبة الجزائرية بعدّة دواوين أخرجها إلى الوجود بعدما كانت محتوياتها قاب قوسين أو أدنى من الضياع، توقّف أيضا عند مساهمته في الدعوة لاستعادة مدفع ''بابا مرزو?'' من فرنسا، وقال ''لقد ساهمت أنا وغيري في التعريف بهذا الرمز التاريخي ويجدر بي، في هذا المقام، أن أنوّه بالكتاب القيّم الذي ألفه بلقاسم باباسي، والملحمة العصماء التي أبدعها شاعر الهضاب أحمد بوزيان، وكذا الأغنية الشعبية التي شارك بها عبد القادر شرشام، والحصة الإذاعية التي قام فيها محمد عجايمي بدور الراوي، وكلّ الحصص الإذاعية والأحاديث الصحفية التي أجريت مع بلقاسم باباسي الذي أَعُدُّهُ أنشط وأقدم المنادين، في الجزائر وفي فرنسا، بعودة بابا مرزو? إلى الجزائر، والعدد الكبير من المقالات الصحفية التي شارك بها بعض حملة الأقلام عندنا من أمثال مرزاق بقطاش، سعد بوعقبة، نور الدين خلاصي، وكذا الصحفي الفرنسي لورانت ابن هوبارت فيدرين، وزير الخارجية الفرنسي الأسبق، الذي كتب مقالا قيِّما في أحد أعداد مجلة ''لكسبريس'' الفرنسية، وأضاف -في هذا السياق- ''أعتقد أنّ السلطات العليا الفرنسية قد سجّلت بعدُ رغبة الأوساط غير الرسمية الجزائرية فيبقى لها أن تبادر من تلقاء نفسها أو تُقْدِم على ذلك حال تلقيها طلبا من الجهات الرسمية الجزائرية ولا أحسبها إلاّ مستجيبة لأنّ الرئيس ساركوزي سيتأسَّى بالرئيس شيراك، الذي أرجع للجزائر الخاتم الرسمي للداي حسين، فيقوم هو من جانبه بإعادة بابا مرزو?، بمناسبة الذكرى الخمسين لاستقلالنا، مصداقا لعزم فرنسا الرسمية على طي صفحة الماضي والتصالح مع الجزائر والمضي معها قدما في بناء علاقات تراعي ما يجب لذاكرتهما التاريخية المشتركة من صون واحترام". وفي ختام حواره مع ''المستقبل''؛ ذكر الأستاذ الزرهوني أنّه يعكف حاليا على مراجعة وتصويب الطبعات الأولى لكتبه، حيث توشك الطبعة الثانية من ''ديوان الشيخ قدور ابن عشور''، الذي تفضّل بتصديره فخامة رئيس الجمهورية على الصدور، ناهيك عن التحضير لإصدار آثار الشيخ الخالدي، بعد الانتهاء من المراجعة واستكمالها بأشعار لم يسبق نشرها.