كان المشهد يوم الأربعاء الفارط أمام سينما ''سيرا مايستر'' مؤثرا، فمن الوجوه الثقافية متنوعة اللسان والملامح والإيديولوجيات، هناك من أستأدن غربته في عودة مستعجلة إلى الديار، الطاهر وطار جمع هذه الوجوه الفكرية والأدبية والإعلامية وهو بنصف ابتسامة المعهودة وكأنه يتفقدهم واحدا واحدا، وتحضر المشاكل التي طالما تحدث للثقافة وكأنها جانب آخر من معارضتها، خصوصا إذا تبنت طريق كتابتها اليمينية، وأُذن في المثقفين أمام السينما بالعودة إلى مقر ''الجاحظية'' مقام عمي الطاهر، لأن ممضي التصريحات لمثل هذه الملتقيات غائب ولم يوقع تصريح ملتقى عمي الطاهر المثقف الحاضر. كان الطريق إلى ''الجاحظية'' قصيرا، فضل البعض ممن استعجلهم الوقت الانسحاب، بينما القسم الكبير منهم عاد إلى ''الجاحظية'' التي وسعتهم جميعا، وأعلن عن قرادة الفاتحة ترحما على روح عمي الطاهر ثم الوقوف للنشيد الوطني الذي تعطل بثه، مما جعل الجمهور يبادر بالإنشاد، ليتقدم خليفه عمي الطاهر الأستاذ محمد تين، ليلقي كلمة الترحيب بالضيوف وبالمشاركين في الملتقى العلمي الأول للجاحظية، قائلا: »الجاحظية بعد رحيل ربانها المتميز على أكثر من صعيد، فهو الأديب والروائي الكبير الذي تخطت أعماله الحدود والقومية، وهو الصحفي ورجل الإعلام المتميز في أسلوب عمله وفي القضايا الجوهرية التي كان يطرحها خرقا للطابوهات، وهو المناضل الثابت على اختياراته المبدئية غير مبال بما قد يلحقه من أذى جراء ذلك في أحلك ظروف الحكم الانفرادي التي مرت بها الجزائر في عهود سابقة. واستعرض رئيس الجاحظية محمد تين معظم المراحل التاريخية والثقافية التي مر بها الطاهر وطار. مشيرا إلى بصماته الواضحة التي ما تزال تشهد على إنجازاته كالإذاعات الجهوية و إذاعة القرآن الكريم على الخصوص. وأكد محمد تين أن الطاهر وطار يبقى حاضرا في مجال النضال؛ حاضرا في المجال الأدبي وحاضرا في الفضاءات الإعلامية. وخلص رئيس الجاحظية في مداخلته الى القول: ''الطاهر وطار كان يرى أن أبخس ما يكون الإنسان أن يقايض إنسانيته بالدينار، وأن أبخس ما يكون المثقف أن يضع نفسه دون المنصب الذي يعرض عليه أو يتولاه وأن يصير ''قصيدا في التذل''«. لم يكن الملتقى بمستوى الضجة الإعلامية التي خصصت له، ولا بذات البرنامج المسطر، حيث غابت عن حضور الملتقى وزيرة الثقافة وليس هناك من مثلها، ولهذا اكتفى المشاركون بالاستماع إلى كلمة ممثل الأساتذة المحاضرين، الدكتور نجيب العوفي من المغرب الشقيق، وواحد من الوجوه الأدبية والنقدية التي واكبت نشاطات الجاحظية منذ إنشائها جائزة مفدي زكريا للشعر المغاربية ثم العربية، وقد جاء في كلمة الدكتور نجيب العوفي قوله: » باسم السادة المدعوين من كل فخ عربي، نشكركم ونضع باقة ورد على ضريح الطاهر وطار ونرفعها تحية محبة وتقدير وإجلال لروحه الطاهرة وهو عائد لمقامه الزكي«. كما أكد الدكتور نجيب العوفي، أن وطار إسم مبدع كبير وقامة ثقافية ليس في الجزائر؛ بل على الصعيد العربي قاطبة، وقد ترك إرثا أدبيا حافلا على جميع المستويات والأجناس الأدبية والرواية والمسرح والقصة القصيرة، فهو فارس في الرواية وفارس في المسرح وفارس في النضال. من جانبه، ألقى الدكتور عبد المجيد الربيعي من العراق الشقيق (مقيم في تونس)، كلمة أكد فيها هو الآخر على فروسية وطار في الأدب وبأنه كان كاتبا مفتوحا على الكثير لا الكلمات، ولا الندوات تفيه حقه، فهو شبيه بالكون الذي يضم كل شيء، كان مبدعا، شجاعا، محاربا، ولعل المواقف التي مر بها والتي نقرأها في رواياته والتي نجدها في شخوصه... وبعد هذه الكلمات من قبل الأساتذة الضيوف، أحيل المجال لفرقة الإنشاد للجاحظية لتقدم مرثية الطاهر وطار، وبعدها مباشرة تم عرض فيلم للإعلامي الجزائري المغترب محمد الزاوي حول الطاهر وطار وهو على سرير المرض بباريس للعلاج، حيث تكلم المرحوم في هذا الفيلم الذي دامت مدة عرضه ساعة ونصف عن روايته الأخيرة ''قصيد في التذلّل''، التي أتمها وهو على سرير المرض بباريس، الفيلم سجل الكثير من الشهادات عن فقيد الأدب الجزائري الطاهر وطار لكثير من المثقفين والأدباء الجزائريين والنقاد، منهم على سبيل المثال لا الحصر، وسيني لعرج، عز الدين ميهوبي، الطاهر ومان، جمال الغيطاني، سعيد بوطاجين، أحمد منور وغيرهم من الأساتذة والأدباء. وللتذكير، ستوزع صبيحة اليوم بالمركز الثقافي عز الدين مجوبي جائزة مفدي زكريا للشعر العربي التي تنظمها الجمعية الثقافية الجاحظية.