صادق نواب المجلس الشعبي الوطني، أمس، على مشروع قانون تسوية ميزانية ,2009 طبقا للمادة 160 من الدستور، وذلك في جلسة علنية ترأسها السيد عبد القادر بن صالح وحضرها السيد كريم جودي وزير المالية، وتميزت بمقاطعة بعض نواب حزب العمال وحركة التغيير المنشقة عن حركة مجتمع السلم التصويت. وفي مداخلاتهم في إطار جلسة المناقشة لاحظ عدد من نواب المجلس الشعبي الوطني بأن التأخر المسجل في إنجاز المشاريع، انعكس بصفة آلية على وتيرة التنمية الوطنية، وصاحبه ضعف في عملية مراقبة أموال الدولة ''التي هي أيضا أموال الشعب''، معتبرين بأن اكتشاف حالات سوء تسيير الأموال العمومية دون متابعتها بإجراءات عقابية، يمكن أن يثير قلق المواطن ويدفعه إلى اتهام الدولة بتغطية انحراف المسؤولين، وهو مايؤدي في النهاية إلى نشوب احتجاجات وحالة غضب شعبي واسعة في صفوف المواطنين. كما سجل بعض النواب في مداخلاتهم بطء الإجراءات المتصلة بإبرام الصفقات العمومية، وضعف استهلاك قروض الدفع في بعض القطاعات والميادين، على غرار تلك الموجهة إلى برنامج محو الأمية، ودعا غالبيتهم إلى غلق الصناديق الخاصة التي تم -حسبهم- إنشاؤها كإجراء استثنائي، ''فاستمرت دون الحاجة إليها، بالرغم من أنها لا تساعد على تحقيق الشفافية في متابعة النفقات العمومية''. وثمن عدد من النواب اعتماد قانون تسوية الميزانية كآلية للرقابة البعدية للميزانية، معتبرين بأن العودة إلى تطبيق هذا القانون يعتبر تأكيدا لإرادة السلطات العمومية في العمل على تمكين الهيئة التشريعية من ممارسة دورها الرقابي، داعيين في المقابل إلى تسبيق المصادقة على الميزانية السنوية قبل المصادقة على قانون المالية حتى يكون لهذا القانون دور في ضبط وتحديد الأهداف المرجوة. وتمت في نفس السياق الدعوة إلى تعديل القانون 1784 المتعلق بتسوية الميزانية ودعمه بإجراءات وميكانيزمات إضافية وفعالة لترشيد إنفاق المال العام ومكافحة التلاعب بأموال الدولة، في حين ذهبت بعض التدخلات إلى التأكيد على ضرورة ترقية دور المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتوسيع الاستثمار لتنويع موارد الدولة وتحريرها من الإيرادات المترتبة عن المحروقات والموارد الجبائية فقط، مع فرض الصرامة في تسيير الميزانيات القطاعية. وخلال رده على انشغالات النواب ذكر وزير المالية السيد كريم جودي بأن قانون تسوية الميزانية الذي يعود إلى التطبيق للسنة الثانية على التوالي بعد غياب دام أكثر من ثلاثين سنة، يعد في حد ذاته مكسبا هاما للعمل التشريعي والرقابي في البلاد، مشيرا في سياق متصل إلى أن عودة العمل بهذه الآلية الرقابية الدستورية تتزامن مع تعزيز الدولة لإجراءات وآليات مراقبة الإنفاق العمومي ومكافحة الفساد والرشوة، على غرار تعزيز صلاحيات مجلس المحاسبة ووضع نظام إنذار من قبل المراقبين الماليين. أما بخصوص مطلب تقليص السنة المرجعية لمراقبة الميزانية، فأشار الوزير إلى أن تخفيض هذه الفترة من 3 سنوات إلى سنتين يعد أحد أهداف الحكومة، موضحا بأن ذلك يتطلب وضع وسائل حديثة لإرساء نظام معلوماتي لضبط وتسيير الميزانية، وهو ما تعكف وزارة المالية على تجسيده. وخلال العرض الذي قدمه في افتتاح جلسة المصادقة على القانون قدم السيد جودي أهم المؤشرات التي شملتها ميزانية سنة ,2009 مؤكدا بالمناسبة بأن مجلس المحاسبة المكلف وفقا للدستور بالموافقة على معطيات قوانين تسوية الميزانية لم يقدم أية ملاحظات خاصة حول المعطيات الواردة في مشروع القانون حول تسوية الميزانية 2009 . وتضمن العرض المقدم أمام النواب الإشارة إلى أن الاستهلاك الفعلي لنفقات التسيير المندرجة في إطار قانون المالية التكميلي 2009 بلغت 84 بالمائة، فيما قدرت نفقات التجهيز ب63,65 بالمائة، وقدر الفارق بين نفقات التجهيز المسجلة في قانون المالية التكميلي 2009 وتلك المعبئة بأزيد من 529 مليار دينار، أو ما يمثل 81 بالمائة. وبلغت العائدات النهائية لسنة 2009 -حسب عرض الوزير- أزيد من 3275 مليار دينار، أو ما يمثل 33 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، بينما فاقت كل النفقات خلال نفس السنة 4656 مليار دينار أو ما يمثل 5,46 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، وبلغ عجز الميزانية ما قيمته 1381 مليار دينار أي ما يمثل 14 بالمائة من الناتج الداخلي الخام. من جهتها، أوصت لجنة المالية والمحاسبة بالمجلس الشعبي الوطني في تقريرها عن مشروع القانون الخاص بتسوية ميزانية ,2009 بالحد من العمل بالحسابات الخاصة، مسجلة في هذا الصدد بأنه من أصل 64 حسابا، تقتصر حسابات التخصيص الأكثر توفرا على الاعتمادات المالية على صندوق ضبط الإيرادات والصندوق المشترك للجماعات المحلية، في حين لا تتجاوز أرصدة باقي الحسابات مبلغ 316 مليار دينار، كما أوضحت أن التزايد العددي لحسابات التخصيص الخاص يعد خروجا عن الطابع الاستثنائي لهذه الحسابات واللجوء المفرط إليها كآلية لدعم ميزانية مستقلة، تسبب في صعوبة الرقابة وشفافية تنفيذ النفقات العمومية. وأوصت اللجنة في هذا الإطار بتطهير حسابات التخصيص الخاص وإجراء رقابة على أرصدتها، والعمل على ضبط أوجه صرف اعتماداتها المالية التي يستوجب حسبها أن تكون ذات جدوى اقتصادية، كما شددت على ضرورة فرض التسيير الصارم لحسابات التخصيص الخاص والعمل على تطهيرها من خلال آليات متابعة وتقييم دائمة.