في ظل صعوبات الحياة العصرية وتراكم الواجبات، قد تواجه الأسرة بعض العراقيل في تربية أبنائها، والحقيقة أن تربية الأطفال تحتاج إلى صبر كبير وإلى حكمة في التعامل، فلا تراخ مطلق ولا تشدد مطلق، كما أن حب الأطفال لا يمنع من تأديبهم، إذ أن هذا الأخير نوع من الحب، بحيث يرمي لخير الطفل. ولكن هل تدرك الأسرة القواعد السليمة للتربية الصحيحة..؟ فقليل من الضرب قد ينفع أحيانا.. هل تؤيد ضرب الأطفال لتربيتهم؟ وهل هناك عمر معين لضربهم؟وهل ضرب الطفل فشل في التربية أم أسلوب ناجح فيها؟ ما أثر الضرب على الطفل مستقبلا؟ وهل يوّلد لدى الطفل نوعا من العناد! هل هناك أسلوب أمثل للضرب؟ ومتى يكون ذلك؟ هي مجمل الأسئلة التي طرحتها ''المساء'' على بعض الأولياء وعلى أهل الاختصاص من علم الاجتماع، حتى نصل إلى تقديم بعضا من الأسس والقواعد في تربية الأبناء بطرق صحيحة. في البداية، يدلي لنا السيد مختاري فريد، موظف وأب لطفلين أكبرهم في العاشرة، بقوله بشأن ضرب الأطفال: ''ألجأ إلى ضرب أبنائي، ولكن ليس كقاعدة يومية وإنما كسلوك ردعي، فأنا أؤيد الضرب كوسيلة تربية، لكن شرط ألا يكون ضربا مبرحا وإنما لتأديب الطفل. وأعتقد أن الضرب سلوك تقويمي ولكن عدم الإيذاء الجسدي أوالنفسي أساسي هنا''. أم لثلاثة أطفال، تحدثت إلينا في الموضوع، تعتبر أن ''الضرب فعلا أداة للتربية، لكن لا بد أن يكون في المقام الأخير، فأولا يتم تبيان الأخطاء للطفل ثم الأفعال الصائبة كتصحيح للأولى، وبالتكرار يفهم الطفل، ثم يأتي الضرب في المقام الأخير.. وأعترف أنني أنا شخصيا أتجاوز هذه الخطوات، فألجأ إلى ضرب أبنائي لأسباب متعددة، لعل أهمها القلق الذي ينتابني من كثرة صراخهم وشجاراتهم المتكررة''. كذلك تعتبر أم لطفلتين أن الضرب ''أسلوب محبب في التربية، لأن الكلام مع الطفل قد لا يأتي بنتيجة أحيانا، كون عقله لا يستوعب كثرة الشرح. والضرب أسلوب عقابي، شرط ألا يكون مبرحا وأن يكون على الورك، والأهم أن يكون الضرب متبوعا بشرح السبب من ورائه حتى يعرف الطفل مكمن خطئه ليصححه مستقبلا''. ولكن متى يكون الضرب وسيلة للتربية؟ وما هوالتحليل السوسيولوجي لظاهرة الضرب كأداة لتربية الأطفال؟ تجيبنا السيدة ''ض.خ'' أستاذة علم الاجتماع التربوي بجامعة بوزريعة، فتقول: ''إذا سألنا الآباء عن سبب ضربهم لأبنائهم، فيجيبون بسبب تشتت الذهن لعدة أسباب منها؛ غلاء المعيشة، كما أن تشتت ذهنه بحد ذاته بين ميادين منها رغبته الكبيرة في اللعب ومتابعة الرسوم المتحركة، وانخراطه في مجالات جديدة ومنها الالكترونية مثل ألعاب ''البلاي ستايشن'' وألعاب الكمبيوتر الأخرى وغيرها، كلها عوامل تزيد في تشتت ذهنه وتجعله لا ينصاع لأوامر والديه، كذلك هناك تيَهانْ الآباء الذين لا يتبعون نموذجا واحدا في التربية، وهذا ما يزيد في تعقيد المشكلة. فمن قبل كانت الأسرة الجزائرية تقوم على ثوابت وضوابط واحترام مجموعة من المعايير المتفق عليها، ولكنها حاليا تعيش منفتحة على أسر أخرى وقيم أخرى، لذلك يزداد التشتت سواء للأسرة أوللطفل. لذا أعتقد أن النموذج التربوي الذي تعتمده الأسرة الجزائرية فارغ نوعا ما ولا يتماشى مع المعطيات الجديدة أومع ما أسميه ما بعد الحداثة، والملاحظ أن الآباء هنا لا يمتلكون نموذجا يتبعونه، ويفترض أن يكون النموذج بحد ذاته قائما على أسس علمية ونفسية وأنثروبولوجية، ولكن المجتمع لم يتمكن بعد من خلق هذا النموذج، وأقصد بالمجتمع مؤسسات المجتمع المدني والإعلام والمدارس، ولذلك يجد الآباء أنفسهم في مأزق ولا يتمكنون حقيقة من تربية أبنائهم وفق الطرق الصحيحة، إذ أنهم أمام طرق تربوية للنموذج القديم لا يمكن أن تقاوم التغيرات الجديدة، ولذلك يجدون أنفسهم وجها لوجه مع الضرب كحل سريع''. وتضيف الأخصائية بشيء من التحليل:''الضرب لا يربي وإنما ينتج شخصية خاضعة أوعنيفة تعيد إنتاج العنف: وهل مجتمعنا محتاج لعنف آخر؟ أكيد لا، والطفل هنا لا يتعرض للضرب من والديه فقط، وإنما من محيطه ومن مدرسيه، وهنا لا بد من دق نواقيس الخطر حول إشكالية؛ إلى متى نظل على هذه الطريقة يعني ضرب وتعنيف وكل ما قد ينتج عنهما؟ الحل حسب اعتقادي، إعادة النظر في المنظومة المعيارية المتعلقة بتربية الطفل سواء في المدرسة أوفي الأسرة، وأعتقد أن الطفل مواطن ومن حقوق المواطنة أن يربى بطريقة سليمة وغير عنيفة''. وفي سياق متصل، تحدثت المختصة عن البحوث الأكاديمية التي قام بها باحثون على مستوى اختصاص علم الاجتماع، وتطرقوا فيها إلى إشكالية تربية الأبناء فتقول: ''دور الجامعة البحث.. أكيد ولكن سؤالي هنا؛ هل البحوث مُفعّلة؟ والجواب لا، وهنا تطرح إشكالية أخرى: إلى أي مدى يمكن الاستفادة منها؟ وهنا نعود إلى أهمية إعادة النظر في المنظومة المعيارية المتعلقة بتربية الطفل، وفي مفهوم المواطنة وهذا عميق جدا''. وتضيف: ''أسس التربية الصحيحة ليست من اختصاص الأسرة فقط، وإنما أنا أدعو هنا لتفعيل مؤسسات المجتمع بصفة أعمق حتى يكون لها دور في ترسيخ ثقافة المواطنة منذ الطفولة، وبالتالي التربية الصحيحة على أسس سليمة. فمثلا من خلال الجمعيات، محاولة إعادة صياغة المفاهيم التربوية للأسرة الجزائرية وهذا مهم جدا''. أما مجمل النصائح التي تصيغها المختصة في علم الاجتماع التربوي للأب والأم في التربية الصحيحة، فتلخصها محدثة ''المساء'' في: ''سبب اللجوء إلى الضرب كحل وحيد في التربية سببه -حسب اعتقادي- أن الناس لا تعرف أساليب تربوية أخرى ومنها الصبر، فمن ذا الذي يصبر على حماقات الطفل سوى الأم أوالأب! عليهما بالصبر الطويل على ابنهما مثلما صبر عليهما الآباء من قبل. فالطفل إذا أخطأ عشر مرات، فعلى الآباء الصبر على نفس الخطأ عشر مرات كذلك دون استخدام الضرب، فإذا كان الطفل عنيفا فأين الحل؟ هنا لا بد من وجود مخططات بديلة للتربية في الأسرة الجزائرية، فمثلا أن تقوم الأم بوضع جدول تربية بأيام الأسبوع، ومن خلاله تراقب سلوك طفلها على مدار الأيام ويوم الجمعة مثلا، تكون الحصيلة، والأهم أن تناقش ذلك مع طفلها الذي يرى ماذا فعل خلال الأسبوع، فإذا غلبت الإيجابيات على السلبيات، يكافأ بما يحب، وإذا كان العكس فيعاقب بالحرمان مثلا مما يحب، وأنا أعتقد أن وعي الطفل بأن سلبياته غلبت على إيجابياته طوال أسبوع كامل هوفي حد ذاته عقاب، فإما أن يعزز السلوك وإما أن يحرم مما يريد في العادة.. وأخيرا أعتقد أنه لا بد من وجود استراتيجية للتربية، ولكن هذا يتطلب تنسيق جهود ما بين أخصائيي علم النفس والاجتماع والأنثروبولوجيا وبتجنيد تام للمجتمع بكل مؤسساته. كذلك أقترح إقامة حملات تحسيسية لتوعية الأسرة حول أساليب التربية السليمة، فالتربية لا تخص الأسرة لوحدها وإنما هي قضية مجتمع''.